ولو وُعيت قضية احتمال تنازع الطرفين في صحة حمل القضية العلمية الحادثة على الآية القرآنية، وأنها مجال للاجتهاد، ولا يلزم التثريب ما دام الأمر لا يقع فيه تحريف في كلام الله؛ لو رُوعيت وصارت منهجاً لما حصل تدابر وتشاحٌّ بين المتنازعين، بل تبقى بينهم المحبة والتوادِّ والرحمة، وقديماً قيل: إن الاختلاف لا يفسد للودِّ قضية.
وأضرب لك مثالاً في ذلك:
قوله تعالى: ﴿فَلاَ أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ﴾ [الواقعة: ٧٥] ورد فيها تفسيران للسلف:
الأول: أن المراد بالنجوم نجوم القرآن، أنزل القرآن على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم نجوماً متفرقة، وقد ورد ذلك عن ابن عباس، وعكرمة، ومجاهد.
الثاني: أن المراد بالنجوم نجوم السماء، واختلف القائلون بكون المراد بها نجوم السماء على عدة معاني:
المعنى الأول: فلا أقسم بمساقط النجوم ومطالعها، والمراد مواقع طلوعها في أول الليل، ومواقع غروبها في آخر الليل، وقد ورد عن مجاهد، وقتادة.
المعنى الثاني: بمنازل النجوم، والمراد بها المنازل المعروفة لهذه النجوم، كالثور والسرطان والجوزاء وغيرها، وقد ورد عن قتادة.
المعنى الثالث: بانتثار النجوم عند قيام الساعة، وقد ورد عن الحسن البصري.
وإذا تأملت هذه الأقوال وجدتها قد اختلفت في المراد بالنجوم، ثم اختلف القائلون بأنها نجوم السماء في المراد بمواقعها.
فأصحاب القول الأول ذهبوا إلى موقع (مكان) طلوع النجم وغروبه، وكذا ذهب أصحاب القول الثاني، لكن تحديد الموقع اختلف، حيث ذهبوا إلى أماكنها في بروجها.


الصفحة التالية
Icon