وإن التقصير في معرفة علومهم وأحوالهم كائن فينا نحن المسلمين في مجالات متعددة؛ كالتعبد والزهد والمتابعة وغيرها.
فإن قلت: لمَ تُلزم بذكر أقوال السلف من المفسرين، وعمل الباحث المعاصر يقوم على إثبات ارتباط ذلك المكتشَف المعاصر بالآية؟
فالجواب: إني أطالب بأكثر من ذكر أقوالهم، وذلك بأن يتعرَّف المعاصر على أقوالهم ويفهمها على وجهها؛ لتتحصل له المعرفة بمرتبة القول الحادث على النحو الآتي:
الأول: أن يكون قوله المعاصر مناقضاً لما اتفقوا عليه، فيتوقف في ربطه بين قوله والآية، ولا يتعجل حتى يسأل أهل العلم ليبينوا له صواب قوله من خطئه، فلا يجترئ على مخالفة الإجماع الذي هو أصل من أصول الدين، فالأمة لا يمكن أن تجمع منذ سالف دهرها على خطأ، ثم يظهر الصواب لشخص في الزمان المتأخر.
الثاني: أن يعرف أقوالهم المختلفة، ويتأمل قوله بينها، هل يدخل في أحد الأقوال، فإن وجد قوله يندرج تحت قول من الأقوال أدرجه تحته، وبيَّن ما زاد على ذلك القول من تفاصيل عنده.
الثالث: أن يكون قوله ـ مع اختلافهم ـ قولاً جديداً، لا يدخل في أحد هذه الأقوال، فينظر إلى صحته في الواقع، ومدى احتمال الآية له، فيقول به على سبيل الإضافة.
فإن قلت: أرأيت إن أبطل قولُه أحد الأقوال المختلفة عن السلف؟
فالجواب: إن وصل إلى إبطال قول، فلا أرى أن يجترئ على إبطاله إلا بعد ظهور البينة التي لا لبس فيها بأن ما قاله صواب صحيح تدل عليه الآية، والقول الذي أبطله خطأ محض لا تدل عليه الآية.
وههنا ملحظ مهم قد أشرت إليه، وهو أنه قد يكون القول الذي يقوله صحيح في ذاته، لكن الخطأ الذي يقع في صحة دلالة الآية عليه،


الصفحة التالية
Icon