والعجيب أنَّ بعض من تحدث عن الإعجاز العلمي تراه يقلل من وجه التحدي، وهو ما كان مرتبطاً باللغة، وهو وجه النظم والبيان، يقول الأستاذ الدكتور زغلول النجار: «... ومع تسليمنا بالإعجاز البياني للقرآن الكريم، وبأنه المجال الذي نزل كتاب الله يتحدى به العرب ـ وهم في قمة من أعلى الفصاحة والبلاغة والقدرة على البيان ـ أن يأتوا بشيء من مثله، إلا أن البيان يبقى إطاراً لمحتوى، والمحتوى أهم من الإطار» (١).
ومقابل ذلك تراه يرفع من شأن الإعجاز العلمي، فيقول: «... ووسيلتنا في تحسين صورة الإسلام في العالم هي حسن الدعوة إليه بالكلمة الطيبة والحجة الواضحة والمنطق السوي، وخير ما نقدمه في ذلك المضمار مما يتناسب مع طبيعة العصر ولغته هو الإعجاز العلمي للقرآن الكريم؛ لأننا نعيش في زمن أدار غالبية الناس ظهورهم فيه للدين، ولم تعد قضايا الغيب المطلق من بعث بعد الموت، وعرض أكبر أمام الله الخالق، وخلود في حياة قادمة؛ إما في الجنة أبداً، وإما في النار أبداً، وغيرها من قضايا الدين؛ لم تعد تحرك فيهم ساكناً، ولكنهم في نفس الوقت فتنوا بالعلم ومعطياته فتنة كبيرة، فإذا أشرنا إلى سبق القرآن الكريم في الإشارة إلى عدد من حقائق الكون قبل أن يصل الإنسان إلى شيء منها بعشرات المئات من السنين، وهو الذي أنزل على
_________
(١) المفهوم العلمي للجبال في القرآن الكريم، للأستاذ الدكتور زغلول النجار (ص: ٨). وهذا الكلام فيه خلل من جهتين:
الأولى: أنه يمكن أن يُؤدى المحتوى بدون هذا الإطار، وهذا فيه فقدان للجانب الأكبر من التحدي الذي تحدى الله به العرب.
الثانية: أن هذا الإطار لو جاء بغير هذا المحتوى لما كان معجزاً. وهذه اللوازم الفاسدة لهذا القول تجعل القائل به يتريث في إطلاق مثل هذه العبارات التي تحتمل معانٍ فاسدة.


الصفحة التالية
Icon