السابق من الآية والتي تدل على الاندفاع بقوة، ثم قوله ﴿الْمَاءُ﴾ [البقرة: ٧٤] للدلالة على أن الماء الذي يخرج من هذا النوع من الصخر إنما يكون بكميات قليلة، وهذا يأتي من كون كلمة ﴿الْمَاءُ﴾ أتت في مقابلة كلمة ﴿الأَنْهَارُ﴾ [البقرة: ٧٤] في الجزء السابق من الآية، والأنهار جمع نهر وهو اسم دال على هيئة معينة من الماء الكثير.
الناحية الإعجازية الثالثة: وهي ناحية علمية وفيها لمحة إعجازية لغوية في نفس الوقت تتجلى هذه الناحية الإعجازية في قوله: ﴿وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ﴾ [البقرة: ٧٤] وفي قوله: ﴿وَإِنَّ مِنْهَا﴾ [البقرة: ٧٤]، حيث يدل اللفظ في هذين المقطعين من الآية على التبعيض؛ أي: أن هذين النوعين من الحجارة هما على سبيل المثال لا الحصر.
ومن ذلك يمكن الاستنباط أن الحجارة قد تكون أنواعاً كثيرة من حيث قسوتها باعتبار الظروف المختلفة التي تكون فيها الحجارة عندما تتعرض للإجهاد وغيرها.
واستكمالاً للتدبر في الآية نلاحظ أن الجزء المتبقي من الآية هو قوله تعالى: ﴿وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ﴾ [البقرة: ٧٤] يتحدث عن نوع آخر من الحجارة يهبط من خشية الله، وقد ذكر كثير من المفسرين أن معنى ﴿وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ﴾ أي: يتردى من أعلى الجبل، كما ورد عند بعضهم أن الهبوط مجاز على الخشوع منها والتواضع الكائن فيها انقياداً لله عزّ وجل.
قلت والله أعلم: المراد بالهبوط رغم أن ظاهر المعنى لا يدل على علاقته بقسوة الحجارة من الناحية الميكانيكية إلا أنها تنفعل من خشية الله بالهبوط كما تنفعل الحجارة الأخرى لما تتعرض له من ضغط الماء سواء كان الضغط قليلاً أو كثيراً. ولعل العلم يكشف يوماً ما عن المعنى المراد بالهبوط في هذه الآية إن لم يكن مجازيّاً» (١).
_________
(١) الإعجاز العلمي (مجلة تصدر عن هيئة الإعجاز العلمي في القرآن والسُّنَّة ـ رابطة العالم الإسلامي ـ العدد السابع/جمادى الأولى: ١٤٢١هـ).


الصفحة التالية
Icon