فيفسره المعاصرون على ما ظهر عندهم من الدواعي، ويكون تفسيرهم مقبولاً إذا كان جارياً على أصول التفسير الصحيحة.
وهذه المسألة من الأهمية بمكان، وأكتفي هنا لضيق المقام بدليل واحد فقط، وهو أنَّ بعض السلف نزَّل بعض الآيات على أقوام ممن جاءوا بعد التَّنْزيل، مع أن الآيات نزلت في أناس معاصرين له، ولم يُنكر ذلك من صنيعهم، وهذا الذي يعمل به المعاصرون من هذا الباب، والله أعلم.
ومن أمثلة ما ورد عنهم:
﴿وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَاقَوْمِ لِمَ تُؤْذُونَنِي وَقَدْ تَعْلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمُ فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ وَاللَّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ﴾ [الصف: ٥].
قال الطبري: «وقوله: ﴿فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ﴾ يقول: فلما عدلوا وجاروا عن قصد السبيل ﴿أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ﴾ يقول: أمال الله قلوبهم عنه.
وقد حدثني يعقوب بن إبراهيم، قال: ثنا هشيم، قال: أخبرنا العوَّام، قال: ثنا أبو غالب عن أبي أمامة في قوله: ﴿فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ﴾ قال: هم الخوارج»
.
وإذا فُهِمت هذه المسألة ظهر أنه لا داعي للتهييج بكون السلف لا يعرفون هذه الوجوه، وإنما يكون ذلك لو أن السلف عرفوا هذه الوجوه واستنكروها، والمقام في مثل هذا الحال أن يُوقف عند ما استنكروه، ولا يُقال به.
أما المقام هنا، فإنه من باب حدوث أمر جديد يحتمل تنزيل الآية عليه، وإدخاله في معناها، وهذا يحتاج إلى ضوابط يُضبط بها ما يمكن قَبوله وما لا يمكن قَبوله من هذه الأقوال الحادثة.


الصفحة التالية
Icon