وقد حُكِيَ عن بعضِهم إنكارُ الاستشهادِ بالشِّعْرِ في تفسيرِ القرآنِ، وقالوا: «إذا فعلتم ذلك، جعلتم الشِّعْرَ أصلاً للقرآنِ.
وقالوا أيضاً: وكيفَ يجوزُ أن يُحْتَجَّ بالشِّعْرِ على القرآنِ، وقد قالَ اللهُ تعالى: ﴿وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ﴾ [الشعراء: ٢٢٤]، وقالَ النبيُّ صلّى الله عليه وسلّم: لأنْ يَمْتَلِئَ جَوفُ أحدِكم قيحاً حتى يَرِيَهُ، خيرٌ له منْ أنْ يَمْتَلِئَ شِعْراً؟» (١).
وهذا قولٌ ضعيفٌ، وقد ردَّ عليه ابنُ الأنباريِّ (ت: ٣٢٨) فقال: «فأمَّا ما ادَّعوه على النَّحويِّينَ مِنْ أنَّهم جعلوا الشِّعْرَ أصلاً للقرآنِ، فليس كذلك، إنَّمَا أرادوا أنْ يَتَبَيَّنُوا الحرفَ الغريبَ منَ القرآنِ بالشِّعْرِ؛ لأنَّ اللهَ يقولُ: ﴿إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا﴾ [الزخرف: ٣]، وقالَ: ﴿بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ﴾ [الشعراء: ١٩٥].
وقال ابن عباس: «الشعر ديوان العرب». فإذا خَفِيَ عليهم الحَرْفُ من القرآنِ الذي أنزلَه اللهُ بلغةِ العربِ، رجعوا إلى ديوانها فالتمسُوا معرفةَ ذلك منه...» (٢).
وهذا الإنكارُ ـ كما ترى ـ لا دلالةَ عليه من نقلٍ ولا عقلٍ، وهو يدلُّ على عدمِ فَهْمِ قائِله، وعَمَلُ السَّلفِ ونَصُّ حبرِ الأمَّةِ ابنِ عباسٍ (ت: ٦٨) حجةٌ يستندُ إليها في هذه المسألةِ.
_________
(١) إيضاح الوقف والابتداء، لابن الأنباري، تحقيق: محيي الدين رمضان (١: ١٠٠).
والحديثُ أخرجه جماعة، منهم: البخاري ومسلم، ينظر: فتح الباري، ط: الريان (١٠: ٥٦٤)، وصحيح مسلم، تحقيق: محمد فؤاد عبد الباقي (٤: ١٧٦٩ - ١٧٧٠، رقم الحديث: ٢٢٥٧ - ٢٢٥٩).
ومعنى قوله صلّى الله عليه وسلّم «حتى يَرِيَهُ»: حتى يُفسِدَه.
والمعنى: لأن يفسدَ القيحُ جوفَ المرءِ خيرٌ له من أنْ يُفسِدَه بكثرةِ الشِّعرِ.
ينظر في معنى الحديث: الجامع لأحكام القرآن، للقرطبي (١٣: ١٥٠ - ١٥١)، والنهاية في غريب الحديث، لابن الأثير (٥: ١٧٨)، ولسان العرب، وتاج العروس، مادة (وري)، وفتح الباري (١٠: ٥٦٤).
(٢) إيضاح الوقف والابتداء، لابن الأنباري (١: ١٠٠).