كَسَبُوا} [الشورى: ٣٤] بمعنى: يُهْلِكْهُنَّ، ويقالُ للمُهْلِكِ نفسَه: قد وَبَقَ فلانٌ، فهو يَوبَقُ وَبَقاً...» (١).
فهل استشهدَ أبو عبيدةَ (ت: ٢١٠) للمعنى الذي ذكرَهَ لِيُثْبِتَ صِحَّةَ تفسيرِهِ؟ فالتَّفسيرُ الذي ذَكَرَهُ ليس مشهوراً من معنى اللَّفظِ، والمعنى المشهورُ ما فسَّرَ به ابنُ عبَّاسٍ (ت: ٦٨) وغيره، واختاره الطبريُّ (ت: ٣١٠)، واللهُ أعلمُ.
* وقدْ يختلفُ اللُّغويُّونَ في دلالةِ لفظٍ في البيتِ المُسْتَشْهَدِ به، كما وردَ في تفسيرِ آية: ﴿تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَرًا وَرِزْقًا حَسَناً﴾ [النحل: ٦٧]، فقدْ قال أبو عبيدةَ (ت: ٢١٠): «أي: طُعْماً، ويقال: جعلوا لك هذا سَكَراً؛ أي: طُعْماً، وهذا سَكَرٌ؛ أي: طُعْمٌ، وقال جندل (٢):
جَعَلْتَ عَيبَ الأكْرَمِينَ سَكَراً»
(٣)
وقد اعترض عليه الزَّجَّاجُ (ت: ٣١١) في دلالةِ اللَّفظِ، فقال: «وقالوا في تفسيرِ قوله: ﴿سَكَرًا وَرِزْقًا حَسَناً﴾ [النحل: ٦٧]: إنه الخمرُ قبلَ أنْ تُحرَّمَ، والرِّزقُ الحَسَنُ يؤكلُ من الأعنابِ والتُّمورِ (٤).
وقيلَ: إنَّ معنى السَّكَرِ: الطُعْم، وأنشدوا:
_________
(١) تفسير الطبري، ط: الحلبي (١٥: ٢٦٥).
(٢) قال فؤاد سزكين في تعليقه على مجاز القرآن (١: ٣٦٣): «ربما كان هو جندل بن المثنى الطُّهوي الذي له ترجمة في السمط ٦٤٤»
.
وهذه الترجمة قال فيها أبو عبيد البكري: «جندل بن المثنى الطُّهوي، غلبت عليهم أمهم طُهَيَّة بنت عبشمس بن سعد بن زيد مناة... وهو شاعر راجز إسلامي، يهاجي الراعي». سمط الآلي، للبكري، تحقيق: عبد العزيز الميمني (٢: ٦٤٤).
وقد أنشده عن أبي عبيدة من جاء بعده؛ كالطبري في تفسيره، ط: الحلبي (٤: ٨٤)، والزجاج في معانيه (٣: ٢٠٩)، وأبو جعفر النحاس في معانيه (٤: ٨٣)، وغيرهم.
(٣) مجاز القرآن (١: ٣٦٣).
(٤) كذا في المطبوع، ويظهرُ أنَّ فيه سقطاً، وتقديرُه: والرزق الحسن: ما يؤكل من الأعناب التمور.


الصفحة التالية
Icon