القرآنُ، وحرصوا عليه لإبرازِ الأسلوبِ القرآنيِّ الذي يفسِّرونه، وكان ذلك مما تميَّزوا به عن تفسيرِ السلفِ، ومثالُ ذلكَ:
قال ابنُ قتيبةَ (ت: ٢٧٦): «وأمَّا قوله سبحانه: ﴿فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ فَاسْأَلِ الَّذِينَ يَقْرَأُونَ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكَ﴾ [يونس: ٩٤] ففيه تأويلان:
أحدُهما: أنْ تكونَ المخاطبةُ لرسولِ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم، والمرادُ غيرُه من الشُّكَّاك؛ لأنَّ القرآنَ نزلَ عليه بمذاهبِ العربِ كلِّهم، وهمْ قد يخاطبونَ الرَّجلَ بالشَّيءِ ويريدونَ غيرَهُ، ولذلك يقولُ مُتَمَثِّلُهم: «إيَّاك أعني واسمعي يا جارة»
(١).
ومثلُه قولُه تعالى: ﴿يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ وَلاَ تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا﴾ [الأحزاب: ١]... ومثلُ هذا قولُ الكُمَيتِ (٢) في مَدْحِ الرَّسولِ صلّى الله عليه وسلّم:

وَقِيلَ:
إلى السِّرَاجِ المُنِيرِ أحْمَدَ، لا يَعْدِلُنِي رَغْبَةٌ وَلا رَهَبُ
عَنْهُ إلى غَيْرِهِ، وَلَوْ رَفَعَ النَّـ ـاسُ إليَّ العُيونَ وَارْتَقَبُوا
أفْرَطْتَ، بَلْ قَصَدْتُ، وَلَوْ عَنَّفَنِي القَائِلُونَ أوْ ثَلَبُوا
لَجَّ بِتَفْضِيلكَ اللِّسَانُ، وَلَوْ أُكثِرَ فِيكَ اللِّجَاجُ واللَّجَبُ
_________
(١) المراد بهذا المثل: أن تتكلم بكلام لشخص، وتريد به غيره. والمثل في كتاب الأمثال، لأبي عبيد، تحقيق: عبد المجيد قطامش (ص: ٦٥)، وينظر: معجم الأمثال العربية القديمة، لعفيف عبد الرحمن (١: ٣٦١).
(٢) الكُمَيت بن زيد الأسدي، شاعرُ متشيِّعٌ لآل البيت، وهو مشهور بقصائده الهاشميات، جُرح أثناء ثورة جند اليمانية سنة (١٢٦ أو ١٢٧)، وتوفي متأثِّراً بجراحه. ينظر: الشعر والشعراء (٢: ٥٨١)، ومعجم الشعراء (ص: ٢٢٧).
والأبيات في الهاشميات، ضمن شعر الكميت بن زيد، جمع: داود سلوم (٤: ١٩٩)، وقد استشهد بها الجاحظ في الحيوان، تحقيق: عبد السلام هارون (٥: ١٧٠)، والطبري في تفسيره، تحقيق: شاكر (٢: ٤٨٦)، والشريف المرتضى في أماليه (٢: ٧٩ - ٨٠).


الصفحة التالية
Icon