ومعنى الكلامِ: فإنَّ للذينَ ظلموا منْ عذابِ اللهِ نصيباً وحظاً نازلاً بهم، مثلَ نصيبِ أصحابِهم الذين مضوا من قبلِهم من الأممِ على منهاجِهم، من العذابِ، فلا يستعجلون» (١).
ويظهرُ عنده الجانبُ اللغويُ في تفسيرِ الألفاظِ في توجيهِ القراءاتِ، وهو في هذا التوجيهِ يُفسرُ اللفظَ ويذكرُ شواهدَه ليرجِّحَ القراءةَ التي يختارُها، إن اختارَ، أو ليبينَ صحةَ القراءتينِ معتمداً على الشواهدِ اللغويةِ، والأمثلة في هذا كثيرة في تفسيره، ومنَ الأمثلةِ التي تتعلق بتوجيه المعنى مع الاختلاف في القراءة ما يأتي:
في قوله تعالى: ﴿لَقَالُوا إِنَّمَا سُكِّرَتْ أَبْصَارُنَا﴾ [الحجر: ١٥] ذكر القراءتين في لفظ «سُكِّرَتْ» (٢)، ثُمَّ ذكرَ أقوالَ السَّلفِ في تفسيرِ هذا اللَّفظِ، ثمَّ عقَّبَ بقوله: «وأولى هذه الأقوالِ بالصَّوابِ عندي، قولُ من قالَ: معنى ذلك: أُخِذَت أبصارنا وسُحِرَت، فلا تُبْصِرُ الشَّيءَ على ما هو به، وذهب حَدُّ إبصارها، وانطفأ نورُه، كما يقالُ للشَّيءِ الحَارِّ إذا ذهبتْ فورتُهُ وسكنَ حَدُّ حرِّه: قد سَكَرَ يَسْكُرُ. قال المثنى بن جندل الطُّهَوِي (٣):
جَاء الشِّتَاءُ وَاجْثَألَّ القُبَّرُ
وَاسْتَخْفَتِ الأفْعَى وَكَانَتْ تَظْهَرُ
_________
(١) تفسير الطبري، ط: الحلبي (٢٧: ١٣ - ١٤).
(٢) قرأها جمهور القُرَّاء بالتشديد، إلا ابن كثير، فإنه قرأها بالتخفيف. ينظر: السبعة، لابن مجاهد، تحقيق: د. شوقي ضيف (ص: ٣٦٦)، وقد أسند الطبري إلى مجاهد قراءة التخفيف، ينظر: تفسير الطبري، ط: الحلبي (١٤: ١١ - ١٢)، وهذا يدلُّ على أنَّ الرواية بالتخفيف معروفة عن قراء مكة.
(٣) كذا ورد اسمه عند الطبري، وقد ورد عند غيره «جندل بن المثنى». ينظر: مجاز القرآن (٢: ٢٠٣)، وخزانة الأدب، للبغدادي (٧: ٤٠٦، ٥٣٠).
وينظر هذا الرجز في: مجاز القرآن، لأبي عبيدة (٢: ٢٠٣)، وجمهرة اللغة (٢: ١٠٨٨)، وتهذيب اللغة (١٠: ٥٦)، وينظر: المعجم المفصل (١٠: ١٣٠).