الثَّانية: قَبُولُ المحتملاتِ اللُّغويةِ الواردةِ عنِ السَّلفِ:
لقدْ كانَ رحمَهُ اللهُ تعالى يَقِفُ معَ تفسيرِ السلفِ ولا يكادُ يخرجُ عنه، وإذا وردَ عنهم أكثرُ منْ قولٍ في الآيةِ فإنَّه: إمَّا أنْ يُرَجِّحَ بينها إذا كانَ أحدُها أقوى في الاحتمالِ من الآخرِ، وإمَّا أنْ يقبلَها جميعاً ما دامتْ الآيةُ تحتملُها منْ غيرِ تَضَادٍّ.
ومنْ أمثلةِ قبولِه المحتملاتِ اللغويةِ الواردةِ عن السلفِ ما يأتي:
ذَكَرَ في قولِه تعالى: ﴿لاَ يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلاًّ وَلاَ ذِمَّةً﴾ [التوبة: ١٠] أربعةَ أقوالٍ في تفسيرِ «الإلِّ» عنِ السلفِ:
الأولُ: الإلُّ: اللهُ سبحانه وتعالى، وهو قول مجاهد (ت: ١٠٤) (١)، وأبي مِجْلَزٍ (ت: ١٠٦) (٢).
الثَّاني: الإلُّ: القَرابَةُ، وهو قولُ ابنِ عبَّاسٍ (ت: ٦٨)، والضَّحَّاكِ (ت: ١٠٥)، والسُّدِّيِّ (ت: ١٢٨).
الثالث: الإلُّ: الحِلْفُ (٣)، وبه قالَ قتادةُ (ت: ١١٧).
الرابع: الإلُّ: العهدُ، وبه قالَ مجاهدٌ (ت: ١٠٤) (٤)، وعبد الرحمن بن زيد (ت: ١٨٢) (٥)، وهو معنى ما روي عن قتادة (ت: ١١٧).
ثمَّ قال: «وأولى الأقوال في ذلك بالصواب أن يقال: إنَّ الله تعالى
_________
(١) جاءت الرواية من طريق معمر عن ابن أبي نجيح عنه.
(٢) لاحق بن حميد بن سعيد، أبو مِجْلَز البصري، مشهور بكنيته، روى عن: ابن عمر وابن عباس وغيرهما، وروى عنه: قتادة ويزيد النحوي وغيرهما، ثقة، توفي سنة (١٠٦) وقيل غيرها. ينظر: تهذيب الكمال (٧: ٥٠٧ - ٥٠٨)، والتقريب (ص: ١٠٤٦).
(٣) الحِلْفُ: العهد بين القوم. القاموس المحيط، مادة (ح ل ف).
(٤) جاءت الرواية من طريق عيسى عن ابن أبي نجيح عنه، ومن طريق خصيف عنه.
(٥) تفسير الطبري، تحقيق: شاكر (١٤: ١٤٦ - ١٤٨).