ولقد تردَّدتُ كثيراً في دراستِه؛ لصِغَرِ حجمِه، غيرَ أنِّي لما نظرتُ فيه وجدتُه يدلُّ على غزارةِ مؤلِّفِه وامتلائه بعلمِ اللغةِ، ووجدته متشبعاً بعقائد المعتزلة، وهو من أقدم مؤلفاتهمِ الموجودة في التفسير، فلما كان ذلك، رأيت أن أدرسه.
وهذا التَّفسيرُ يتميَّزُ بمميِّزاتٍ، منها:
* كثرةُ استخدامِه لأسلوبِ السؤالِ والجوابِ.
في قوله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِمْ مِلْءُ الأَرْضِ ذَهَبًا وَلَوِ افْتَدَى بِهِ أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ﴾ [آل عمران: ٩١]، قال: «يقال: ما الفديةُ؟
الجواب: البدلُ منَ الشَّيء في إزالةِ الأذيَّةِ، ومنه: ﴿وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ﴾ [الصافات: ١٠٧]؛ لأنه بدلٌ منه في إزالةِ الذَّبحِ عنه. ومنه: فداءُ الأسيرِ بغيرِه؛ لأنه بدلٌ منه في إزالةِ القتلِ والأسرِ عنه...
ويقال: ما معنى ذكر الافتداءِ هنا؟
الجوابُ: البيانُ عن أنَّ ما كُلِّفَهُ في الدنيا يسيرٌ في جنبِ ما يبذله في الآخرةِ من الفداءِ الكثيرِ، لو وُجِدَ إليه السَّبيلُ.
قال قتادةُ: يُجاءُ بالكافرِ يوم القيامةِ، فيقالُ له: أرأيتَ لو كانَ لك ملءُ الأرضِ ذهباً، أكنتَ مفتدياً به؟ فيقول: نعم.
فيقالُ له: لقدْ سُئلتَ أيسرَ من ذلك (١).
_________
= ثمَّ قال: «والأول أصحُّ؛ لأنَّ الرؤية أقوى الكرامات، فالحجب عنها دليلُ الحجبِ عن غيرِها». واللهُ أعلمُ.
(١) هذا حديثٌ نبويٌّ رواه قتادةُ عن أنس بن مالك عن النَّبيِّ صلّى الله عليه وسلّم، وقد أخرجه جماعة، منهم: البخاري في صحيحه في مواطن، منها كتاب الرقاق (٨: ١٣٩)، ومسلم في صحيحه، تحقيق: فؤاد عبد الباقي (٤: ٢١٦١)، والطبري في تفسيره، تحقيق: شاكر =