٣ - في قوله تعالى: ﴿وَالْمَلاَئِكَةُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَنْ فِي الأَرْضِ﴾ [الشورى: ٥]، إذا أخذتَ بالعمومِ في قولِه: ﴿لِمَنْ فِي الأَرْضِ﴾ جعلتَ الاستغفارَ حاصلاً للمؤمنين والكافرين. وبه قال بعضهم، وجعلَ استغفارَ الملائكةِ للكافرِ بمعنى طلبِ الهدايةِ له.
وقالَ آخرونَ: إنه عَامٌّ مخصوصٌ، وإنَّ المرادَ بمن في الأرضِ: المؤمنون. ويدلُّ على ذلك قوله تعالى: ﴿الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا﴾ [غافر: ٧] (١).
ومن هذين القولين يَتحصَّلُ أنَّ مَنْ جَعَلَ الآيةَ عامَّةً أو خاصَّةً، فقد وقعَ منهم بيانٌ له أثرٌ في فَهْمِ معنى الآيةِ، وإنْ اختلفتْ أقوالُهم في تفسيرها.
ومن ثَمَّ، فإنَّ أيَّ معلومةٍ لها أثرٌ في فهْمِ المعنى أو تَغيُّرِهِ، فإنها تفسيرٌ، أمَّا ما كانتْ معرفتُه غيرَ مُؤَثِّرَةٍ في معنى الآيةِ، فإنه خارجٌ عن معنى التَّفسيرِ، وهو من باب التَّوَسُّعِ في هذا العلمِ. والله أعلم.
وسأضربُ مثلاً يُبَيِّنُ أنَّ بعضَ المعلوماتِ الموجودة في التَّفسيرِ لا أثرَ لها في بيانِ الآيةِ، وهي خارجةٌ عن حدِّه، وزائدةٌ عليه، ومن ذلك ما وردَ في تفسيرِ قوله تعالى: ﴿وَقُلْنَا يَاآدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلاَ مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا وَلاَ تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ﴾ [البقرة: ٣٥]، حيثُ اختلفَ المفسِّرونَ في تعيين الشَّجرةِ التي نُهِيَ آدمُ وزوجُه عن الأكلِ منها، فقيل: هي السُّنبلةُ، وقيلَ: الكَرْمَةُ، وقيلَ: التِّينةُ (٢).
والجهلُ بنوعِ الشَّجرةِ التي نُهِيَ عنها آدمُ وزوجُه، لا يؤثِّرُ في فهمِ المعنى، قال الطبري (ت: ٣١٠): «فالصوابُ في ذلك أن يقالَ: إنَّ اللهَ جلَّ
_________
(١) ينظر: تفسير عبد الرزاق، تحقيق: قلعجي (٢: ١٥٥)، وتفسير الطبري، ط: الحلبي (٢٥: ٨)، والإيضاح لناسخ القرآن ومنسوخه، لمكي، تحقيق: أحمد فرحات (ص: ٣٩٩)، تفسير ابن عطية، ط: قطر (١٣: ١٤٢).
(٢) ينظر في أقوال السلفِ: تفسير الطبري، تحقيق شاكر (١: ٥١٦ - ٥٢٠).