٢ - وقال: ﴿وَلَوْ أَنَّ قُرْآناً سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتَى﴾ [الرعد: ٣١] مجازُه مجازُ المكفوفِ عن خبرِه، ثُمَّ استُؤنِفَ، فقال: ﴿بَلْ لِلَّهِ الأَمْرُ جَمِيعًا﴾ [الرعد: ٣١]، فمجازُه: لو سُيِّرتْ به الجبالُ لسارتْ، أو قُطِّعتْ به الأرضُ لتقطَّعتْ، ولو كُلِّمَ به الموتى لنُشِرتْ.
والعربُ تفعلُ مثلَ هذا، لعلمِ المستمعِ به، استغناءً عنه، واستخفافاً في كلامهم، قال (١):
خَلا أَنَّ حَيّاً مِنْ قُرَيْشٍ تَفَضَّلُوا... عَلَى النَّاسِ أَوْ أَنَّ الأَكَارِم نَهْشَلا
وهو آخرُ قَصِيدةٍ، ونصبه وكفَّ عن خبره واختصره، وقال (٢):
الطَّعْنُ شَغْشَةٌ، والضَّرْبُ هَيْقَعَةٌ... ضَرْبَ المُعَوِّلِ تَحْتَ الدِّيمَةِ العَضَدا
وَلِلْقِسِيِّ أَزَامِيلٌ وَغَمْغَمَةٌ:... حِسَّ الجَنُوبِ، تَسُوقُ المَاءَ والبَرَدا
حَتَّى إذَا أَسْلَكُوهُمْ فِي قُتَائِدَةٍ... شَلًّا كَمَا تَطْرُدُ الجَمَّالَةُ الشُّرُدَا
وهو آخر قصيدةٍ، وكُفَّ عن خبره» (٣).
_________
(١) هذا البيتُ منسوبٌ للأخطل، كما في خزانة الأدب (١٠: ٤٥٤)، وهو ليس في ديوانه بتحقيق: مهدي ناصر الدين، وينظر: المعجم المفصل في شواهد اللغة العربية (٦: ٩٨).
(٢) الأبيات لعبد مناف بن ربع الهذلي، وهو في ديوان الهذليين (٢: ١٤٠ - ٤٢)، وقد جاء في مجاز القرآن بعد هذه الأبيات شرحها، وهو كالآتي: «وقوله: شَغْشَغَة؛ أي: يُدخله ويُخرجه. والهَيقَعَةُ: أن يضرب بالحدِّ من فوق. والمعوِّل: صاحب العالةِ، وهي ظُلَّةٌ يتَّخذها رعاةُ البَهْمِ بالحجاز إذا خافت البردَ على بَهمِها، فيقول: فيعتضدُ العضَدَ من الشجر لبَهْمِه؛ أي: يقطعه. والدِّيمةُ: المطر الضَّعيفُ الدَّائمُ. والأزاميل: الأصوات، واحدها: أزمل، وجمعها: أزامل، زاد الياء اضطراراً، والغماغم: الأصوات التي لا تفهم. حسَّ الجنوب: صوتها. قتائدة: طريق. أسلكوهم وسلوكهم: واحدٌ». مجاز القرآن (١: ٣٣١ - ٣٣٢)، وينظر شرحها أيضاً في ديوان الهذليين.
(٣) مجاز القرآن (١: ٣٣١).