الأساليبِ في فَهْمِ اللُّغةِ؛ كقولِهم: «العربُ إنَّما تحذفُ من الكلامِ ما دَلَّ عليه ما ظهرَ» (١).
وقولِهم: «العربُ تختصرُ الكلامَ ليخفِّفُوه؛ لِعِلْمِ السامعِ بتمامِه» (٢)
وقولِهم: «إنما يحسنُ الإضمارُ في الكلامِ الذي يجتمعُ، ويدلُّ أولُه على آخرِه» (٣).
ولبيانِ أثرِ الأسلوبِ في فَهْمِ الكلامِ، انظرْ تفسير قولِه تعالى: ﴿وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى﴾ [الأعلى: ٣]، قال الفراء (ت: ٢٠٧) (٤): «ويقالُ: قَدَّرَ فهدى وأضَلَّ، فاكتفى من ذِكْرِ الضَّلالِ بذِكْرِ الهدى، لكثرةِ ما يكونُ معه» (٥)، حيثُ جعلَ هذا القائلُ الآيةَ على أسلوبِ الحذفِ اختصاراً، وجعلَ لفظَ هدى دلالةً على اللَّفظِ المحذوفِ، وبهذا تصيرُ دلالةُ الآيةِ محصورةً على الهدى والضَّلالِ الشَّرعيِّ، والصوابُ أنَّ الآيةَ أعمُّ من ذلك، قال الطَّبريُّ (ت: ٣١٠): «والصَّوابُ من القولِ في ذلك عندنا أن الله عمَّ بقوله: ﴿فَهَدَى﴾ الخبر عن هدايته خلقَه ولم يخصص من ذلك معنى دون معنى، وقد هداهم لسبيلِ الخيرِ والشَّرِ، وهدى الذكورَ لمَاتَى الإناثِ، فالخبر على عمومِه حتى يأتيَ خبرٌ تقومُ به الحجةُ دالٌّ على خصوصِه» (٦).
_________
(١) تأويل مشكل القرآن (ص: ٢١٩).
(٢) مجاز القرآن (١: ١١١)، وينظر: معاني القرآن، للفراء (١: ٢).
(٣) معاني القرآن، للفراء (١: ١٣).
(٤) يحيى بن زياد الفراء، أبو زكريا، الكوفي النحوي، تتلمذ على الكسائي، وكان من أبرع الكوفيين في علم النحو، حتى قال عنه ثعلب: «لولا الفراء ما كانت عربية...» أملى كتابه في معاني القرآن، ورواه عنه محمد بن الجهم السمري، وسلمة بن عاصم، وعنه نقل الأزهري في تهذيبه كتاب الفراء، وتوفي الفراء سنة (٢٠٧). ينظر: مراتب النحويين (١٣٩ - ١٤١)، وطبقات النحويين واللغويين (١٣١ - ١٣٣)، وتهذيب اللغة (١: ١٨).
(٥) معاني القرآن، للفراء (٣: ٢٥٦).
(٦) تفسير الطبري، ط: الحلبي (٣٠: ١٥٢)، وينظر: تفسير ابن عطية، ط: قطر (١٥: ٢٠٤)، ودقائق التفسير، لابن تيمية (٥: ٦٧ - ٧١)، والتسهيل لعلوم التنْزيل لابن جزي (٤: ٩٣).


الصفحة التالية
Icon