وقالَ في موضعٍ آخرَ: «... والإحْبَابُ في الإبلِ؛ كالحِرانِ في الخيلِ. قالَ أبو عبيدةَ: ومنه قولُه عزّ وجل: ﴿إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ عَنْ ذِكْرِ رَبِّي﴾ [ص: ٣٢]؛ أي: لَصِقْتُ بالأرضِ لِحُبِّ الخيرِ حتى فاتتني الصلاة، والله أعلم» (١).
والذي وردَ في (مجازِ القرآنِ): «﴿إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ عَنْ ذِكْرِ رَبِّي﴾ [ص: ٣٢] مجازه: أحببته حباً، ثمَّ أضافَ الحُبَّ إلى الخيرِ» (٢).
وهذا يخالفُ ما رواهُ عن أبي عبيدةَ (ت: ٢١٠)، وهذا الذي قالَه منسوبٌ إلى شيخه أبي حاتم السِّجستانيِّ (ت: ٢٥٥)، وقد يكون اختلطَ عليه، فَوَهِمَ في النَّسْبِ، وقد جاءَ في حاشيةِ نسخةِ (S) من نُسَخِ (مجازِ القرآنِ) التي اعتمدَ عليها المُحَقِّقُ ما نصُّه: «قالَ أبو حاتم: ليسَ الأمرُ كما ظَنَّ أبو عبيدةَ، وإنما معنى «أحببت»: لَزِمْتُ الأرضَ، يقالُ: بعيرٌ مُحِبُّ: إذا لَزِقَ بالأرضِ منْ مرضٍ به، قالَ الهُذليُّ (٣):
دَعَتْكَ إلَيهَا مُقْلَتَاهَا وجِيدُهَا، | فَمِلْتَ، كَمَا مَالَ المُحِبُّ عَلَى عَمْدِ |
أمَّا ﴿حُبَّ الْخَيْرِ﴾ فأرادَ ـ إنْ شاءَ اللهُ ـ حُبَّ الخيلِ؛ لأنه تشاغلَ بها عن الصلاةِ... والمعنى: إني لَزِمْتُ الأرضَ وتشاغلتُ عنْ ذكرِ اللهِ؛ يعني: الصلاةَ، حُباً للخيلِ» (٤).
_________
= ط: الحلبي (٢٢: ١٥١)، وهذا مما يستأنس به في الدلالة على خطأ ابن دريد في نقل قول أبي عبيدة، والله أعلم.
(١) جمهرة اللغة (١: ٦٤). وورد في (١: ٢٨٧) هذا التفسير دون أن ينسبه إلى معيَّنٍ، واستدل له بالبيت الذي سيرد منسوباً للهذلي.
(٢) مجاز القرآن (٢: ١٨٢).
(٣) البيت في جمهورة اللغة (١: ٢٨٧)، وسمط اللآلي (٢: ٦٥٣). ينظر: المعجم المفصل في شواهد اللغة العربية (٢: ٤٣٩).
(٤) مجاز القرآن (٢: ١٨٢، حاشية سطر ٦ - ١١).