يزعمونَ أنهم يُصَدِّقُونَ بالقرآنِ، أنكروا تفسيرَه من اللُّغةِ، وأنه لا يمكنُ الوقوفُ على معانيه منها، ولا مجالَ فيه لاستعمالِ النظرِ، وسلوكِ منهجِ الاستدلالِ، وإنما يُوجَدُ معناه عندهم من الأئمةِ المعصومين بزعمِهِم، وهم فرقٌ ثلاثٌ: الحشويةُ (١)، والباطنيةُ، والرَّافضةُ (٢)، وذلك لأنَّ القرآنَ لَمَّا كانَ مُصَرِّحاً بفسادِ مذهبِهِم، ومُوَضِّحاً لفضائحِهم حاولوا دفعَه، موهمينَ أنَّ القرآنَ لا يدلُّ على فسادِ مذهبِهِم؛ لأنَّ معناه لا يمكنُ أخذُه من جِهَةِ اللغةِ، يريدون بذلك تَرْوِيجَ مذاهبِهِم الرديئةِ، وتسويغَ تأويلاتِهِم المنكرةِ... وأعظمُهُم في الضَّرَرِ وأدخلُهُم: هؤلاءِ الباطنيةُ، فإنَّهم تَلَبَّسُوا بالإسلامِ، وتظاهروا بمحبةِ أهلِ البيتِ في الدعاءِ إلى نُصْرَتِهِم، فاستلبُوا بذلك قلوبَ العامَّةِ، ولَبَّسوا عليهم الأمرَ بدقَّةِ الحِيَلِ، ولطيفِ الاستدراج» (٣).
ومن اطَّلَعَ على تحريفاتِهم لكتابِ اللهِ، عَلِمَ أنها لا تَصْدُرُ عن لغةٍ ولا عقلٍ ولا شَرْعٍ، ومن تأويلاتِهم ما ورد في أحد كتبهم في التفسير، وهو كتاب مزاج التسنيم: «قال تعالى: ﴿وَعَلَى الَّذِينَ هَادُوا﴾ [النحل: ١١٨] يعني: عن منهجِ إمامِ كُلِّ عَصْرٍ.
_________
= لأسرار البلاغة وعلوم حقائق الإعجاز، وهو مطبوع، وتوفي سنة (٥٤٧) بمدينة ذمار باليمن. ينظر: البدر الطالع، للشوكاني (٢: ٣٣١ - ٣٣٣)، ومقدمة الجليند لكتاب مشكاة الأنوار (ص: ٢٩ - ٣٢).
(١) الحشوية: لقب يطلقه أهل البدع ـ زوراً وبهتاناً ـ على أهل السنة، وعلماء الحديث، ويريدون بذلك أنهم يروون كل حشو لا فائدة فيه، ويروون ما يتناقض من الأخبار، ولا يحكمون عقلهم فيها، وهذا تَجَنٍّ واضح مِمَّنْ لم يفهم كلام أهل السنة، ولا عرف مذهبهم، والله المستعان. ينظر: كشاف اصطلاحات الفنون: (٢: ١٦٦ - ١٦٧).
(٢) الرافضة: لقب يطلق على الإمامية الاثني عشرية من الشيعة، وهم من غلاتهم، وسموا بذلك لرفضهم زيد بن علي لمَّا تولى أبا بكر وعمر، وقيل غير ذلك في سبب تسميتهم. ينظر: مقالات الإسلاميين، للأشعري، تحقيق: محيي الدين عبد الحميد (١: ٨٨، وما بعدها)، ورسالة في الرد على الرافضة، لأبي حامد المقدسي، تحقيق: عبد الوهاب خليل الرحمن (ص: ٦٥، وما بعدها).
(٣) مشكاة الأنوار الهادمة لقواعد الباطنية الأشرار، ليحيى بن حمزة العلوي، تحقيق: الدكتور: محمد السيد الجليند (ص: ١٤٤ - ١٤٥).


الصفحة التالية
Icon