في الخطأ في التَّفسيرِ (١)، إذ قد يكونُ المدلولُ اللُّغويُّ غيرَ مرادٍ في الآيةِ؛ كقوله تعالى: ﴿وَلاَ تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلاَ تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ﴾ [التوبة: ٨٤]، فلو فسَّرتَ الصَّلاةَ بالمدلولِ اللُّغويِّ، لقلتَ: نُهِيَ الرسولُ صلّى الله عليه وسلّم عنِ الدُّعَاءِ لهم.
ولكنَّكَ إذا نظرتَ إلى الواردِ في قصةِ الآيةِ، وهو ما رواه ابنُ عباسٍ (ت: ٦٨) عن عمرَ بن الخطابِ (ت: ٢٣) قال: «لما مات عبدُ اللهِ بنُ أبي سَلُولٍ، دُعِيَ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ليصليَ عليه، فلما قامَ رسولُ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم، وَثَبْتُ إليه، فقلتُ: يا رسولَ اللهِ، أَتُصَلِّي على ابنِ أبي سَلُولٍ وقد قال يومَ كذا وكذا كذا وكذا؟! قال: أُعدِّدُ عليه قولَه.
فتبسَّمَ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وقال: أخِّرْ عني يا عمر، فلما أكثرتُ عليه، قال: إني خُيِّرتُ فاخترتُ، ولو أعلمُ أني إن زدتُ على السبعين يُغْفَرُ له لزدتُ عليها.
قال: فصلَّى عليه رسولُ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم، ثمَّ انصرفَ، فلم يمكثْ إلاَّ يسيراً حتى نزلت الآيتان من براءة: ﴿وَلاَ تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا﴾ ـ إلى قوله ـ ﴿وَهُمْ فَاسِقُونَ﴾ [التوبة: ٨٤]، قال: فَعَجِبْتُ من جُرأتي على رسولِ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم، واللهُ ورسولُه أعلمُ»
(٢)، علمتَ أنَّ المرادَ بها «صلاة الجنازة» = فإنه سيمنعُكَ ذلك من أنْ تَحْمِلَهَا على المعنى اللُّغويِّ.
هذا، وسيأتي تتمَّةُ حديثٍ عن عدم استقلالِ اللُّغةِ بالتَّفسيرِ (٣).
_________
(١) جعل ابن تيمية الاعتماد على اللغة دون غيرها من أسباب الاختلاف الواقع من جهة الاستدلال، وقال عن ذلك: «والثاني: قوم فسروا القرآن بمجرد ما يسوغ أن يريده من كان مِن الناطقين بلغة العرب بكلامه، من غير نظرٍ إلى المتكلم بالقرآن، والمنَزل عليه، والمخاطَب به»، ثمَّ ذكر أنَّ هؤلاء راعوا مجرد اللفظ، وما يجوز أنْ يريد به عندهم العربي من غير نظر إلى ما يصلح للمتكلم وسياق الكلام. ثمَّ أنَّه كثير ما يغلط هؤلاء في احتمال اللفظ لذلك المعنى في اللغة، ثمَّ ذكر أنَّ نظر هؤلاء إلى اللفظ أسبق. ينظر: مقدمة في أصول التفسير، تحقيق: د. عدنان زرزور (ص: ٧٩ - ٨١).
(٢) ينظر: فتح الباري، ط: الريان (٨: ١٨٤ - ١٨٩)، ثم تنظر الآثار في تفسير الطبري، ط: الحلبي (١٠: ٢٠٤ - ٢٠٦).
(٣) ينظر: ثالث فصل من الباب الثالث، تحت قاعدة: لا يصح اعتماد اللغة دون غيرها من المصادر.


الصفحة التالية
Icon