بين التأسيسِ والتأكيدِ، فالتأسيسُ أولى من التأكيدِ، وهو مقدَّمٌ عليه، والله أعلمُ.
قال الطبريُّ (ت: ٣١٠): «وكانَ بعضُ منْ لا علمَ له بأقوالِ السَّلفِ منْ أهلِ التَّأويلِ، مِمن يُفسِّرُ القرآنَ برأيه على مذهبِ كلامِ العربِ، يُوَجِّهُ معنى قولِه: ﴿وَفِيهِ يُعْصِرُونَ﴾ إلى: وفيه ينجونَ منَ الجَدْبِ والقَحْطِ بالغَيْثِ، ويزعمُ أنَّه منَ العَصَرِ والعُصْرَةِ التي بمعنى المنجاةِ | وذلكَ تأويلٌ يكفي منَ الشَّهادةِ على خطئه، خلافُهُ قولَ أهلِ العلمِ منَ الصَّحابةِ والتَّابعينَ» (١). |
٣ - وفي قوله تعالى: ﴿وَأَنْزَلْنَا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى﴾ [البقرة: ٥٧]، السَّلْوَى: طير، بإجماعٍ منْ مفسِّري السَّلفِ (٢).
وقال مُؤَرِّجٌ السَّدُوسِيُّ (ت: ١٩٥)، أحدُ علماءِ اللُّغةِ: أنه العسلُ، واستدلَّ له بقول الهذلي:وَقَاسَمَهَا باللهِ جَهْداً لأنْتُمُ | أَلَذُّ مِنَ السَّلْوَى إذَا مَا نَشُورُهَا |
وذكر أنه كذلك بلغة كنانة، وسُمِّيَ العسل به؛ لأنه يُسْلَى به (٣).
وكَوْنُ السَّلوى في لغةِ العربِ: العسلَ، لا يلزمُ منه صِحَّةُ حملِه على معنى السَّلوى في الآيةِ؛ لذا قالَ ابنُ الأعرابيِّ (ت: ٢٣١): «والسَّلوى: طائرٌ، وهو في غيرِ القرآنِ: العسلُ» (٤). وهذا هو الحقُّ، والله أعلم.
_________
(١) تفسير الطبري، تحقيق: شاكر (١٦: ١٣١ - ١٣٢).
(٢) ينظر: المحرر الوجيز (١: ٣٠٥)، وقد أورد الطبريُّ الرواية عن السلف، ولم يذكر عنهم غير هذا المعنى، وإنما اختلفوا في التعبير عن وصف هذا الطيرِ، والله أعلم. ينظر: تفسير الطبري، تحقيق: شاكر (٢: ٩٦ - ٩٧).
(٣) ذكره الثعلبي في تفسيره عند هذه الآية عن مؤرِّج، ينظر: الكشف والبيان، للثعلبي، مخطوط المكتبة المحمودية في المدينة النبوية (١ لوحة: ٦٩ ب)، وهذا النقل عن كتاب مؤرِّج السدوسي «غريب القرآن»، وهو أحد مصادر الثعلبي، وقد نصَّ عليه في مقدمة تفسيره: الكشف والبيان، كما سبق، وقد نقله القرطبي في تفسيره (١: ٤٠٧).
(٤) تهذيب اللغة (١٣: ٦٨).