بدأ المؤلف كتابه بالحمد والثناء على الله سبحانه، والصلاة والسلام على رسوله صلّى الله عليه وسلّم، ثم ذكر أن علم القرآن هو أرقى العلوم قدراً، وأجلها خطراً، وأعظمها أجراً، وهذه القضية لا يكاد يختلف عليها علماء المسلمين، فعِلم القرآن هو أجل العلوم الإسلامية؛ لأن القرآن هو كلام الله سبحانه، ومنه تؤخذ الشريعة والعقائد، وكل علوم الإسلام ترجع إلى هذا الكتاب، وذكر أن العلماء قد خدموه إقراء وتفسيراً وتدبراً واستنباطاً، وذكر أيضاً أن من نِعم الله عليه أنه شغله بخدمة القرآن وتعلمه وتعليمه، وهذا نراه كثيراً في كلام العلماء، وهو التنبيه على ما منَّ الله عليهم به من التفرغ لخدمة كتاب الله سبحانه وتعالى بأنواع من الخدمة، فنجد بعض العلماء قد تفرغ للإقراء فقط؛ يصحِّح للطلاب القراءة، ولا تكاد تجده يُحسن غير هذا، وهذه نعمة، فلو أردت منه غير هذا ما استطاع، فهذا علم من علوم القرآن قد ميَّز به سبحانه بعض الناس، وهناك أناس قد تفرغوا لتفسيره والاستنباط منه.
ثم ذكر تصنيفات العلماء في التفسير، وذكر لها أوصافاً، كأنه يريد أن يبين السبب الموجب لتأليفه التفسير، ولعلنا نذكر لكل نوع مثالاً من هذه المصنفات التي صُنِّفت قبل ابن جزي ـ أي: قبل عام ٧٤١هـ.
قوله: (ومنهم من آثر الاختصار) مثاله: تفسير الوجيز للواحدي (ت٤٦٨هـ).
قوله: (ومنهم من طوَّل حتى أكثر الأسفار) مثاله: تفسير الرازي (ت٦٠٦هـ).
قوله: (ومنهم من تكلم في بعض فنون العلم دون بعض) مثاله: ابن العربي (ت٥٤٣هـ) في (أحكام القرآن) حيث خصَّه بنوع مما يتعلق بالتفسير وإن كان الكتاب ينحو منحًى فقهياً لكن المقصد من ذلك أنه تكلم على جزء من علم التفسير، وكذا كتب غريب القرآن أو كتب معاني القرآن التي اختصت بنوع من علم التفسير دون الأخذ بكل معلومات التفسير.
قوله: (ومنهم من اعتمد على نقل أقوال الناس) مثاله: الثعلبي (ت٤٢٧هـ)، وابن أبي حاتم (ت٣٢٧هـ)، والماوردي (ت٤٥٠هـ) وابن الجوزي (ت٥٩٧هـ)، فهؤلاء يُعدون نَقَلَةً للتفسير.
قوله: (ومنهم من عوَّل على النظر والتحقيق والتدقيق) مثل: ابن جرير (ت٣١٠هـ)، وابن عطية (ت٥٤٢هـ)، وغيرهم.
المقصود أن هذه الأوصاف العامة التي ذكرها يمكن أن توصف بها بعض التفاسير، وبعضها قد يجتمع فيه أكثر من وصف.
ثم قال بعد ذلك: (فرغبت في سلوك طريقهم، والانخراط في مساق فريقهم).
يثير قوله هذا سؤالاً، وهو: ما الفائدة أن يُخرج العالم تفسيراً، فالتفاسير كثيرة؟