يقول ابن جزي: «﴿مِنْ كُلِّ أَمْرٍ﴾ متعلقٌ بما قبله، فالمعنى أن الملائكة ينزلون ليلة القدر من أجل كل أمر يقضيه الله في ذلك العام» (١)، فهو رحمه الله رَكَّبَ المعنى على الإعراب، لكن الذي فسر أولاً من السلف ـ قبل أن يأتي علم الإعراب ـ انطلق من المعنى، فجاء المتأخر وحمل المعنى على الإعراب.
ثم قال: «وقيل: إن المجرور يتعلق بما بعده، والمعنى أنها سلامٌ من كل أمر؛ أي: سلامٌ من الآفات، قال مجاهد: لا يصيب أحدٌ فيها داء»، وقول مجاهد هذا بيان معنى وليس إعراباً، والمعرب يبني الإعراب على كلام مجاهد فيقول: الجار والمجرور متعلق بـ ﴿سَلاَمٌ﴾، ثم قال بعد ذلك: «والأظهر أن الكلام تم عند قوله: ﴿مِنْ كُلِّ أَمْرٍ﴾، ثم ابتدأ قوله: ﴿سَلاَمٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ﴾، ثم اختُلف في معنى ﴿سَلاَمٌ﴾ فقيل: إنه من السلامة، وقيل: إنه من التحية؛ لأن الملائكة يسلمون على المؤمنين القائمين فيها، وكذلك اختلف في إعرابه فقيل: ﴿سَلاَمٌ هِيَ﴾ مبتدأ وخبر، وهذا يصح؛ سواء جعلناه متصلاً مع ما قبله أو منقطعاً، وقيل: ﴿سَلاَمٌ﴾ خبر مبتدأ مضمر تقديره: أمرها سلام، أو القول فيها ﴿سَلاَمٌ﴾، وهي مبتدأ وخبر ﴿حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ﴾ أي: دائمةً حتى طلوع الفجر».
ومن هذا المثال يظهر لك أن الاختلاف في الإعراب مبني على الاختلاف في المعنى ونتيجة له، وليس من أسباب اختلاف المفسرين.
السبب الثالث: اختلاف اللغويين في معنى الكلمة:
هناك تداخل بين هذا السبب والسبب الرابع الذي يليه، وهو «اشتراك اللفظ بين معنيين فأكثر»؛ لأن اللغويين إن اختلفوا في معنى كلمة فلا يخلو الحال من الأمور الآتية:
_________
(١) التسهيل (تحقيق الخالدي) ٢/ ٥٠٠.