وكلا المعنيين وارد من جهة اللغة ومحتمل في السياق، وإن كان ترجيح أحدهما في هذا السياق إبعاد للآخر.
وقد يذكرون أكثر من معنى وتحتملها الآية كما في قوله سبحانه وتعالى: ﴿وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ﴾ [الحج: ٢٩] قيل: معتق من الجبابرة، وقيل: قديم، والقديم والمعتق من الجبابرة معنيان مشتركان في هذه اللفظة، والآية تحتمل هذا وتحتمل هذا، فالاختلاف هنا بسبب اشتراك اللفظ بين معنيين.
وقد يكون الاختلاف بسبب الاشتراك في الصيغة دون أصل الاشتقاق كما في قوله سبحانه وتعالى: ﴿وَإِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ﴾ [القمر: ٢]، ذكر ابن جزي في معنى ﴿مُسْتَمِرٌّ﴾ قولين: «ذاهب يزول»، وقيل: «شديد»، ومن قال: «ذاهب» فإن أصل اللفظة والاشتقاق يختلف عنده عمَّن قال: شديد، فمن قال: ذاهب جعل الفعل منها «مَرَّ يَمُرُّ» فهو مستمر، ومن قال: (شديد) أخذه من «أَمَرَّ يُمِرُّ» فهو مستمرٌّ؛ كما يقال: «حبل مرير»، فهذا فيه اشتراك في الصيغة (مستمرٌّ)، وليس في أصل الاشتقاق (مرَّ، وأمرَّ)، ولذا فتفسير هذه الصيغة مشترك بين معنيين.
والاشتراك يكون أحياناً في أصل الاشتقاق؛ مثل: القرء، وأحياناً يكون الاشتراك في الصيغة، وليس في الأصل كما في ﴿الْعَتِيقِ﴾ في قوله: ﴿وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ﴾ فمن جعله المعتق من الجبابرة جعله من الفعل الرباعي «أَعْتَقَ ـ يُعْتِقُ»، ومن جعله بمعنى القديم جعله من الفعل الثلاثي «عَتُقَ»، فهو قديم.
ارتباط النوع الخامس من وجوه الترجيح بهذين السببين:
ننتقل الآن للحديث عن النوع الخامس من وجوه الترجيح وهو: أن يدل على صحة القول كلام العرب من اللغة والإعراب والتصريف والاشتقاق؛ لأنا ربطناه بالسبب الثالث والرابع وهو اختلاف اللغويين واشتراك اللفظة في معنيين فأكثر، فالتعامل مع الاختلاف فيهما لا يخلو من أحوال:


الصفحة التالية
Icon