حملها على الحقيقة، ونقول: من باب أولى أيضاً أن يحمل المثال الثاني على الحقيقة؛ لأن أحوال الآخرة غير أحوال الدنيا، وكما قال المؤلف: «وذلك على الله يسير»، فإذن نثبت كل هذه الأفعال لجهنم على الحقيقة.
ومن الأمثلة كذلك في قول الله: ﴿لاَ يَمَسُّهُ إِلاَّ الْمُطَهَّرُونَ﴾ [الواقعة: ٧٩] يقول: «الضمير يعود على الكتاب المكنون، ويحتمل أن يعود على القرآن المذكور قبله، إلا أن هذا ضعيفٌ لوجهين:
أحدهما: أن مسَّ الكتاب حقيقة ومس القرآن مجاز، والحقيقة أولى من المجاز»، المؤلف ذهب إلى أن المراد بالقرآن كلام الله، والكلام لا يمس، فقال: «ومس القرآن مجاز، والحقيقة أولى من المجاز» (١)، وإذا كان المراد الكتاب الذي هو المصحف فهذا يستقيم في هذا المعنى ﴿لاَ يَمَسُّهُ إِلاَّ الْمُطَهَّرُونَ﴾ يعني يمس المصحف، فالمؤلف رحمه الله ذكر سبب الاختلاف وأعمل قاعدة الترجيح المتعلقة به فسبب الاختلاف هو احتمال الحقيقة والمجاز، ووجه الترجيح الذي أعمله هو تقديم الحقيقة على المجاز.
السبب الثامن: احتمال الإضمار والاستقلال:
يقابله في وجوه الترجيح: تقديم الاستقلال على الإضمار.
والمراد بالإضمار أن يكون في الكلام شيء أضمره المتكلم ولم يذكره، ويوجد في السياق ما يدل على هذا الإضمار، وتُرك ثقةً بالسامع، وهذا الأسلوب موجود بلغة العرب.
أما الاستقلال فمعناه: أن الكلام لا يحتاج أن يكون فيه إضمار، بل هو مفهوم على ظاهر ألفاظه، وليس هناك كلام قد أخفي أو أضمر.
_________
(١) التسهيل (تحقيق الخالدي) ٢/ ٣٣٩.