مرة بعد مرة كما في قضية النسخ، فقد ذكر جزءاً منها قبل ذلك، وقد سبق أن قررنا (١) أن النسخ على نوعين:
١ - نسخ جزئي.
٢ - نسخ كلي.
والنسخ الجزئي يقع في الأحكام والأخبار، وهو مراد السلف عندما يطلقون النسخ، أما المتأخرون فيطلقون عليه تخصيص العام أو تقييد المطلق، أو تبيين المجمل، أو الاستثناء، أما النسخ الكلي فلا يقع إلا في الأحكام فقط، واتفق على ذلك السلف والمتأخرون.
من الأمثلة على النسخ الجزئي عند المؤلف في قوله سبحانه وتعالى: ﴿وَأَنْ لَيْسَ لِلإِنْسَانِ إِلاَّ مَا سَعَى﴾ [النجم: ٣٩] يقول هنا: «السعي هنا بمعنى العمل، وظاهرها أنه لا ينتفع أحد بعمل غيره، وهي حجة لمالك في قوله: «لا يصوم أحد عن وليه إذا مات وعليه صيام»، واتفق العلماء على أن الأعمال المالية ـ كالصدقة والعتق ـ يجوز أن يفعلها الإنسان عن غيره، ويصل نفعها إلى من فُعِلت عنه، واختلفوا في الأعمال البدنية كالصلاة والصيام، وقيل: إن هذه الآية منسوخة بقوله: ﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ﴾ [الطور: ٢١] قال: والصحيح أنها محكمة لأنها خبر، والأخبار لا تنسخ» (٢).
قوله سبحانه وتعالى: ﴿وَأَنْ لَيْسَ لِلإِنْسَانِ إِلاَّ مَا سَعَى﴾ خبر، والخبر ـ بناءً على قواعد المتأخرين ـ لا يدخله النسخ، وقد عبَّر عن ذلك المؤلف فقال: «لأنها خبر، والأخبار لا تنسخ»، ومن عبّر بالنسخ من السلف عبّر عنه بمصطلحه الذي يشمل النسخ الكلي والجزئي، ومراده هنا النسخ الجزئي، وهو من باب تخصيص العام، كما هو قول المتأخرين.
_________
(١) ص١٠٩.
(٢) التسهيل (تحقيق الخالدي) ٢/ ٣٢١.