الكلية، وكان فيها من اللطائف والمعارف الشيء الكثير، حتى كأنك تسير في حديقة غنَّاء مليئة بأنواع الثمار والفواكه والزهور.
وأذكر من فوائد ما علِق في ذاكرتي من أثناء دراستي في الجامعة تعليقاً لأحد أساتذة التربية على قوله تعالى: ﴿وَمَا صَاحِبُكُمْ بِمَجْنُونٍ﴾ [التكوير: ٢٢]، قال ما معناه: جاء لفظ صاحب للردِّ على زعمهم بأن محمداً صلّى الله عليه وسلّم مجنون؛ إذ كيف تتهمونه بالجنون، وهو مصاحب لكم تعلمون جميع أحواله، وأنتم أشد الناس معرفة بصدقه وأمانته.
٣ - قال: (أو مما التقطته من مستظرفات النوادر الواقعة في غرائب الدفاتر).
أي: أنه أخذها من مصادر لا يتصور أنها من مراجع علم التفسير، فقد تكون من كتاب فقهي أو كتاب أدبي أو كتاب لغوي، والقارئ قد يقع على شيء من علم التفسير في غير مظانِّه، ومن هذه الكتب ـ على سبيل المثال ـ: كتاب «نتائج الفكر» للسيهلي (ت٥٨١هـ)، فهذا الكتاب ـ وهو في علم النحو ـ لا يُتوقَّع أن يوجد فيه شيء مما يتعلق بالتفسير؛ فأنَّى لك أن تكتشف أن فيه من النكت والطرائف والفوائد التفسيرية الشيء الكثير العجيب، وإنك واجد فيه مِنْ براعة السهيلي في استنباط الكثير من بلاغة القرآن ولطائف لغته ودقائقها الشيء الكثير، وقد استفاد منه ابن القيم (ت٧٥١هـ) كثيراً في كتابه: «بدائع الفوائد».
ذكر السهيلي (ت٥٨١هـ) بحثاً ماتعاً حول سؤال قال فيه: (فإن قيل: كيف جاز ﴿سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى﴾ [الأعلى: ١]، ﴿وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلاً﴾ [المزمل: ٨]، والمقصود بالذكر والتسبيح هو الرب تبارك وتعالى، لا اللفظ الدال عليه؟
قلنا: هذا سؤال قد كعَّ عنه أكثر المحصِّلين، ونكتة عجز عنها أكثر المتأولين... والقول السديد في ذلك ـ والله المستعان ـ أن نقول: الذِّكر


الصفحة التالية
Icon