وأما ما يقوله الصحابي برأيه، فإن مصادرهم الكبرى في تفسيراتهم الاجتهادية هي: «القرآن والسنة واللغة»، وهذه المصادر يشترك معهم فيها كل من جاء بعدهم، وفي تقديم قول الصحابي في هذه الحال تفصيل ـ بعد القول بأن الأصل تقديم قوله مطلقاً ـ يظهر من تطبيقات علماء التفسير المحرِّرين؛ كابن جرير الطبري (ت٣١٠هـ)، وابن عطية الأندلسي (ت٥٤٢هـ)، وابن كثير الدمشقي (ت٧٧٤هـ)، فإنهم قد يقدمون قول غيرهم عليهم في حال كون التفسير من باب الاجتهاد لاعتبارات علمية.
ومما يحسن أن يلاحظ في هذه الطبقات جهة تاريخية دقيقة، وهي أن هذه الطبقات الثلاث متداخلة، وإن كانت طبقة الصحابة معروفة متميزة، إلا أنا نجد في طبقة التابعين وتابعي التابعين تداخلاً بين كبار التابعين وصغارهم من جهة، وبين صغار التابعين وكبار أتباع التابعين من جهة أخرى، لكن يمكن الاستفادة من تحديد نهاية فترة أتباع التابعين بما حدَّها ابن حجر العسقلاني (ت٨٥٢هـ) في كتابه «تقريب التهذيب» فقد ذكر عبد الرزاق (ت٢١١هـ) نموذجاً على صغار أتباع التابعين، وإن كان لا يلزم أن من توفي في زمنه أن يكون لقي التابعين، وهذا يُعرف من كتب الجرح والتعديل التي تحرص على ذكر شيوخ المترجم له وذكر تلاميذه.
ومن باب الفائدة: فإن بعض التابعين كانوا يتكلمون في التفسير أثناء وجود الصحابة، فتلاميذ ابن عباس (ت٦٨هـ) الآفاقيون؛ كسعيد بن جبير (ت٩٤هـ)، وأبي الشعثاء جابر بن زيد (ت٩٣هـ)، كانوا يفسرون القرآن في بلدانهم، وكذا كانوا بعد وفاة شيخهم ابن عباس (ت٦٨هـ)، إذ لا زال صغار الصحابة متوافرون؛ كعبد الله بن عمر (ت٧٣هـ)، وأنس بن مالك (ت٩٣هـ)، وقد ظهر هؤلاء التابعون واشتهروا بالتفسير، بل فاقت شهرتهم من كان في عهدهم من الصحابة.