وقد بيَّن تلميذه (يحيى بن سعيد) الراوي عنه في الرواية الأولى هذا التحرُّز، فقد أورد الطبري بسنده عنه، عن ابن المسيَّب: «أنه كان لا يتكلم إلا في المعلوم من القرآن» (١)، فدلَّ هذا على أنه كان يفسر القرآن، لكنه لا يفسر إلا ما علِمه فقط.
تنبيه:
لم يرد عن النبي صلّى الله عليه وسلّم أنه نهى عن تفسير القرآن، بل الوارد عنه الدعاء لابن عمه (ابن عباس) بالتفقيه في الدين، وتعليم التأويل.
قال المؤلف: (فقد قالت عائشة رضي الله عنها: ما كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يفسر من القرآن إلا آيات تُعد علَّمه إياهنَّ جبريل، وقال صلّى الله عليه وسلّم: «من قال في القرآن برأيه وأصاب فقد أخطأ». وتأول المفسرون حديث عائشة رضي الله عنه بأنها في مغيبات القرآن التي لا تعلم إلا بتوقيف من الله تعالى، وتأولوا الحديث الآخر بأنه فيمن تكلم في القرآن بغير علم ولا أدوات، لا فيمن تكلم فيما تقتضيه أدوات العلوم ونظر في أقوال العلماء المتقدمين، فإن هذا لم يقل في القرآن برأيه).
أما الأحاديث التي ذكرها المؤلف في سبب التوقف فهي أحاديث ضعيفة جداً، وليس فيها ما يحتج به من جهة الإسناد، فالحديث الأول: لا يحتج به مطلقاً.
قال الطبري ـ بعد تخريجه لمعنى هذا الأثر (٢) الوارد عن عائشة ـ:
_________
(١) تفسير الطبري، تحقيق التركي ١/ ٧٩ - ٨٠.
(٢) أما الخبر الذي روي عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أنه لم يكن يفسِّر من القرآن شيئاً إلا آياً بعَددٍ، فإن ذلك مصحِّح ما قلنا من القول في الباب الماضي قَبْل، وهو: أنّ من تأويل القرآن ما لا يُدرك علمُه إلا ببيان الرسول صلّى الله عليه وسلّم. وذلك تفصيل جُمَلِ ما في آيه من أمر الله ونَهْيه وحلاله وحرامه، وحدوده وفرائضه، وسائر معاني شرائع دينه، الذي هو مجمَلٌ في ظاهر التنزيل، وبالعباد إلى تفسيره الحاجة ـ لا يدرَك علمُ تأويله إلا ببيان من عند الله على لسان رسوله صلّى الله عليه وسلّم، وما أشبه ذلك مما تحويه آيُ القرآن، من سائر =