في الغالب ـ نصّاً منظماً كنصِّ المؤلف، وهذه الكتب المحررة ستجد فيها نقاشات علمية وترجيحات وتحريرات في التفسير، فابن جزي قدَّم تنظيراً متكاملاً، ثم سيذكر التطبيقات في التفسير.
وقد جعل المؤلف أقوال الناس على مراتب؛ منها:
١ - الصحيح الذي يعول عليه.
٢ - والباطل الذي لا يلتفت إليه (١).
٣ - وما يحتمل الصحة والفساد، ثم يذكر مع هذا الاحتمال قد يكون متساوياً وقد يكون متفاوتاً، والتفاوت قد يكون قليلاً أو كثيراً.
_________
(١) مقاصد التأليف جزء من المنهج، والمؤلف أراد بكتابه أن يكون وجيزاً جامعاً محققاً للأقوال فيه، ولكن عند النظر في تعامله رحمه الله مع هذه المقاصد وتطبيقه لها نجد أن في ذلك إشكالية، فقد وقع فيه تفسير باطل كما أنه تفسير طويل، وقد نبَّه الزبيري الذي كتب في منهج ابن جزي على هذا، وذكر من الأمثلة على الإطالة في التفسير ما ذكره عند قوله: ﴿وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ﴾ [الشورى: ٣٨] قال: «قيل يعني: الأنصار؛ لأنهم استجابوا لما دعاهم النبي صلّى الله عليه وسلّم الى الإسلام، ويظهر لي أن هذه الآية إشارة إلى ذكر الخلفاء الراشدين رضي الله عنهم؛ لأنه بدأ أولاً بصفات أبي بكر الصديق ثم صفات عمر بن الخطاب ثم صفات عثمان بن عفان ثم صفات علي بن أبي طالب فكونه جمع هذه الصفات ورتبها على هذا الترتيب يدل على أنه قصد بها من اتصف بذلك، فأما صفات أبي بكر فقوله: ﴿... لِلَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ﴾ [الشورى: ٣٦] وإنما جعلناها صفة أبي بكر وإن كان جميعهم متصفاً بها لأن أبا بكر كانت له فيها مزية لم تكن لغيره»، ثم ذكر بعد ذلك صفات عمر فقال: «وأما صفات عمر فقوله: ﴿وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ﴾ [الشورى: ٣٧]» جعلها في عمر فسار على هذا الأسلوب فقسَّم الآية على الخلفاء الراشدين ثم قال في عثمان: «أما صفات عثمان فقوله: ﴿وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلاَةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ﴾ [الشورى: ٣٨]، ثم انتقل إلى صفة علي فقال: «وأما صفة عليٍّ فقوله: ﴿وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ﴾ [الشورى: ٣٩] لأنه لما قاتلته الفئة الباغية قاتلها انتصاراً للحق»، إلى أن ذكر بعد ذلك ما فيه إشارة إلى الحسن والحسين رضي الله عنهما وإشارة إلى بني أمية في كلام طويل مخالف لعقلية ابن جزي المحقق، ولكن كما تعلمون الكمال عزيز، فوقع في مثل هذا المثال مما يمكن أن يستدرك عليه المستدرك، فقد وقع فيما نهى عنه في قضية التمييز بين الصحيح والباطل، لكن هذا لا يشوش على الكتاب إطلاقاً ولا يفقده تميزه.