الصحابة بوجود نقص أو زيادة، أو أن بعض القراء أخطأ؛ لأنه قرأ هذا الرسم أو خالف ذاك الرسم، فإنه يمكن القول بأن هذا جهل مركب؛ لأنه لا يوجد في أي لغة من اللغات من ينطلق من المرسوم، بل الأصل أن ينطلق من المقروء وإن وقع بينه وبين المرسوم اختلاف.
مسائل في قول المؤلف: (موافقته لمصحف عثمان):
الأولى: الموافقة لمصحف عثمان معتبرة ولو احتمالاً؛ لأن بعض الكلمات كتبت بوجهٍ واحد، وقرئت بأكثر من وجه، كلفظة (الصراط) في سورة الفاتحة، فقد قرئت بالسين والصاد.
الثانية: إن بعض الكلمات لها (أداء صوتي) لا يمكن أن يرسم، ولم يجتهد الصحابة في ضبطه، وهذا يدلُّ على أن الأصل هو المقروء من الصدور، ومن ذلك لفظة: «الصراط» في سورة الفاتحة، فقد قرئت بوجه ثالث، وهو إشمام الصاد زاياً، وهذه القراءات الثلاث (بالصاد وبالسين وبإشمام الصاد زاياً) كلها ثابتة ومقروء بها، وقد اتفقت المصاحف على كتابة هذه اللفظة بالصاد، ومن عِلَل ذلك أن الصاد هي الأصل، وأن اللفظة لو كُتبت بالسين لم يكن لقراءة الإشمام وجه ظاهر في هذه اللفظة.
والمقصود أن مما يجب أن يُتنبَّه له أنه ليس كل مقروء يمكن كتابته؛ لأنه قد يكون متعلقاً بأمور صوتية، والأمور الصوتية ـ من مدٍّ وإدغام وفكٍّ وإبدال وتسهيل وإمالة وغيرها ـ مما لا يمكن رسمه، ولذا كان من علماء علوم القرآن بعد جيل الصحابة أن أدخلوا علم ضبط المصاحف، وكان بدأ شيئاً فشيئاً حتى وصل إلى ما نراه اليوم في مصاحف المسلمين.
الثالثة: أن بعض الاختلافات في الرسم تبع للمصحف الذي أرسل إلى ذلك القطر أو ذاك، ويكون رسم كل مصحف على حسب القراءة


الصفحة التالية
Icon