قوله: (الثاني: الكناية، وهي العبارة عن الشيء بما لا يلازمه من غير تصريح).
الكناية فيها خلاف هل وقعت في القرآن أو لا؟ وهناك كتاب معاصر ذهب مؤلفه أن القرآن ليس فيه كناية، لكن نقول: كلام الله سبحانه وتعالى فيه عبارات عن أشياء من غير تصريح فلما قال الله سبحانه وتعالى: ﴿كَانَا يَاكُلاَنِ الطَّعَامَ﴾ [المائدة: ٧٥] عن «عيسى وأمه» فابن عباس يقول: «إن الله يكني» كأنه يقول: إن الله أراد التنبيه على أن من يأكل الطعام يحتاج إلى إخراج، ومن يكون بهذه المثابة فإنه فقير محتاج إلى هذا، والله هو الغني، فهو منزه عن أن يكون ممن يحتاج إلى طعام.
والإشارة إلى لازم الأمر كنايةً ليس فيه إشكال فهي موجودة في القرآن، قال ابن عباس (ت٦٨هـ): «إن الله حييٌ يَكْنِي عن الأمر».
قوله: (الثالث: الالتفات. وهو على ستة أنواع:
خروج من التكلم إلى الخطاب، أو الغيبة.
وخروج من الخطاب إلى التكلم، أو الغيبة.
وخروج من الغيبة إلى التكلم، أو الخطاب).
الالتفات هو انتقالٌ من خطابٍ إلى خطاب، وهو من أنواع البلاغة النفيسة جداً، كما في قوله سبحانه وتعالى: ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ *الرَّحْمَانِ الرَّحِيمِ *مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ﴾ [الفاتحة: ٢ - ٤] هذا كلام عن غائب، ثم انتقل إلى الكلام عن حاضر بقوله: ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ﴾ [الفاتحة: ٥]، فصار فيه التفات من الحديث عن الغائب للحديث مع المخاطب (١).
_________
(١) ذكر ابن جزي هذا الالتفات، فقال: «الفائدة الرابعة عشرة ذكر الله تعالى في أول هذه السورة على طريق الغيبة ثم على الخطاب في إياك نعبد وما بعده وذلك يسمى الالتفات، وفيه إشارة إلى أن العبد إذا ذكر الله تقرب منه فصار من أهل الحضور فناداه».


الصفحة التالية
Icon