وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ} [النور: ١٥] وإلى أنه قول فى كتاب الله بالرأي وذلك بخلاف الكناية فى قوله تعالى: ﴿أَوْ لاَمَسْتُمُ النِّسَاءَ﴾ [النساء: ٤٣]، وقوله: ﴿كَانَا يَاكُلاَنِ الطَّعَامَ﴾ [المائدة: ٧٥]، وما أشبه ذلك» (١).
وهذا يدعو إلى الاحتراز من جملة ما يذكر من المحسنات البديعية في «علم البديع»؛ لأنه يرتبط بصفاء الجملة من جهة مسمعها، لكن لا يلزم أن كل ما قالوه في علم البديع من القرآن من أمثلة يكون صحيحاً، وإن كان بعضها صحيحاً؛ كقوله: ﴿وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكَى﴾ [النجم: ٤٣] قوله: ﴿أَضْحَكَ وَأَبْكَى﴾، وهل يمكن أن يأتي الخطاب بغير ذلك، حتى نقول: إن اختيار الطباق مقصود لذاته، ولعل هذا ما يريد الشاطبي نقده، وهو الذي ينبغي ألا يقال أنه من مرادات الله في كلامه.
قوله: (التاسع: المشاكلة، وهي أن تذكر الشيء بلفظ آخر لوقوعه في صحبته).
المشاكلة إذا وردت في صفات الله ففيها إشكالية؛ لأن الأصل إثبات الصفة؛ مثل: ﴿وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ﴾ [آل عمران: ٥٤]، فمن نفى جعلها من باب المشاكلة: لمَّا ذكر مكرَهم ذكر مكرَه بهم، وقد وقع من ابن جزي رحمه الله هذا، فقال: «ومكر الله الموصوف بالسرعة هو عقابه لهم سماه مكراً مشاكلة لفعلهم وتسمية للعقوبة باسم الذنب» (٢)، وما ذهب إليه ليس بصحيح، بل هذه من الصفات المقابلة التي لا تُذكر إلا بمقابلها، فيقال: إن الله يمكر بمن يمكر به أو بالمؤمنين، ولا يجوز أن يُتعدَّى هذا اللفظ عن غير هذه المقابلة، ولا يؤخذ من هذه الصفة اسماً ولا وصفاً مطلقاً.
أما قوله: ﴿وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا﴾ [الشورى: ٤٠] فهي من باب المشاكلة، والمشاكلة هنا صحيحة، وهذا يعني أنه ليس كل ما ورد في باب المشاكلة يكون مراداً به المشاكلة، ولا أنه لا يكون من باب المشاكلة، والأمر راجع إلى النظر في السياق والأحوال والأصل فيما ورد من الآيات في صفات الله مما يُظنُّ أنه من باب
_________
(١) الموافقات ٤/ ٢٦٣.
(٢) التسهيل (تحقيق الخالدي) ١/ ٣٥٤، ٣٥٥.


الصفحة التالية
Icon