ذكروه لقالوا: إنه نبي، ولو قالوا بذلك لاضطروا إلى لزوم التصديق به، وهم لا يريدون ذلك، فتراهم لأجل هذا يُغفِلون هذا الاحتمال ولا يذكرونه.
وهذا الأسلوب من إسقاطاتهم الشنيعة التي أسقطوا بها أسلوب بعض الدراسات العلمية عن أسفارهم، فظهر لبعض الدارسين لها أن بعض قصصه مأخوذة عن كتب السابقين وأخبارهم، ولا يلزم أن هؤلاء الدارسين قد قالوا الحقّ في ذلك، أو أن يكونوا وصلوا إلى القول الصواب، لكنهم استخدموا هذا الأسلوب من الموازنة، وظهروا بهذه النتائج، ثم جاء هؤلاء وأرادوا إسقاط هذا على دراسة مصدر القرآن، فقالوا بمثل هذه الأقوال الغريبة في مصدر القرآن الكريم.
ونحن لسنا مع هذه الدراسات التي انتقدت أسفارهم، بل نثبت ما ثبت عندنا باليقين من قصص الأنبياء وما لم يثبت في القرآن أو السنة، فمذهبنا فيه كما قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لا تصدقوا أهل الكتاب ولا تكذبوهم» (١).
ثامناً: لا يلزم فيما يتعلق بمعجزات الأنبياء ـ في رأيي الخاص ـ أن تتوافق مع ما اشتهر به أقوامهم، فقوم عيسى عليه السلام لم يثبت أنهم كانوا خبراء بالطب، وكذا معجزات الأنبياء الآخرين كنوح وصالح وهود وإبراهيم عليهم السلام لا يظهر أن معجزاتهم كانت من جنس ما برع به أقوامهم، لكن بعض المعجزات قد تكون موافقة لما برع به قوم النبي؛ كما عند موسى حيث كانوا سحرة.
تاسعاً: ما ظهر من المعجزات على يد بعض الأولياء، فإن تسميتها «كرامات» تسمية اصطلاحية محضة، ولا تغير من جنس موضوع خرق
_________
(١) أخرجه البخاري في كتاب التفسير في باب ﴿قُلْ آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا﴾ من حديث أبي هريرة، ورقم الحديث (٤٤٨٥).