المؤلف سيشير إلى شيء من ذلك فيما بعد، وأريد أن أُبرز هذا الجانب؛ لأنه مهم، فأقول:
الأصل في القرآن القراءة المحفوظة في الصدور، وليست الكتابة، فنحن عندما نتعلم القرآن ننطلق من المقروء، كما كان الأمر عند الصحابة الذين تلقوا القرآن مشافهة عن النبي صلّى الله عليه وسلّم، ولم يأخذوه من كتاب، لذا نقول: هم ينطلقون مما يسمعونه من الرسول صلّى الله عليه وسلّم، ثم يكتبه بعضهم.
ولم يُعهد عنهم أنهم اعتمدوا المكتوب دون المحفوظ في الصدور، وهذه قاعدة مهمة يجب أن نتنبه لها، فنعلم أن أي خطأ ينسبُهُ الملاحدة والمستشرقون إلى كتابة المصحف، أو الزعم بأن الرسم يحتمل قراءات متعددة، وكان ذلك هو السبب في تعدد القراءات؛ نعلم أنه يدل على خطأ مَنْ نسبَ الخطأَ إليها؛ لأن المكتوب لا يؤثر على المحفوظ في الصدور المتلقَّى مشافهة من النبي صلّى الله عليه وسلّم.
والذي أريد تقريره أن الأصل في القرآن عندنا أننا ننطلق من المحفوظ المقروء وليس من المكتوب، ويدل على ذلك أمور:
١ - أن القرآن لم يجمع في مصحف في عهد الرسول صلّى الله عليه وسلّم، وإنما جمع متفرقاً، وكذلك كان مبثوثاً في صدور حفظة القرآن.
٢ - أن الصحابة رضي الله عنهم كانوا يتفاوتون في حفظه، فمنهم من كان يحفظه كاملاً مثل زيد بن ثابت رضي الله عنه (ت: ٤٥هـ)، ومنهم من كان يحفظ بعضه، ومن ثمَّ فإن جمهور الصحابة لا يخفى عليهم القرآن، وإن كان قد يخفى بعضُه على بعضِهم.
٣ - أن التلقي بالمشافهة كانت هي الأصل الذي انتقل به القرآن جيلاً بعد جيل، وهناك آثار تدل على حرص الصحابة على تلقي القرآن مشافهة من النبي صلّى الله عليه وسلّم.
ثالثاً: أن النبي صلّى الله عليه وسلّم كان يشرف على كتابة القرآن، إن لم يكن