وبعض العلماء خرّج هذا تخريجاً عقلياً فقال: إن هذه القراءة قراءةٌ تفسيرية، لكن لا يوجد في الآثار إشارة إلى أن أحداً من الصحابة كتب في مصحفه غير القرآن.
المقصد أن علياً رضي الله عنه لو كتب مصحفه على ترتيب النزول فإنه لا يوجد شيء من العلم الذي ذكره ابن جزي إلا معرفة ترتيب النزول فقط على رأي علي بن أبي طالب رضي الله عنه (ت٤٠هـ)، ومعلوم أن ترتيب النزول فيه خلاف بين الصحابة، وعليٌّ رضي الله عنه (ت٤٠هـ) من أعلم الصحابة بالقرآن والنزول، كما ذكر ذلك عن نفسه، وكذلك ابن مسعود رضي الله عنه (ت٣٢هـ) من أعلم الصحابة بالقرآن وفيمن نزل القرآن، لكن عندما يتعارض قول صحابي مع آخر فإنه لا يمكن اعتماد قول أحدهما إلا بحجة.
قوله: (فلما قتل جماعة من الصحابة يوم اليمامة في قتال مسيلمة الكذاب أشار عمر بن الخطاب على أبي بكر الصديق رضي الله عنهما بجمع القرآن مخافة أن يذهب بموت القراء فجمعه في صحف غير مرتب السور).
قوله: (فجمعه في صحف غير مرتب السور) هذا قول بعض أهل العلم، لكن فيه نظر، إذ لا يوجد دليل صريح عن أحد من الصحابة أن مصحف أبي بكر رضي الله عنه (ت١٣هـ) غير مرتب السور، وإن كان الأثر الذي رواه الإمام أحمد وغيره، عن ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: «قُلْتُ: لِعُثْمَانَ مَا حَمَلَكُمْ عَلَى أَنْ عَمَدْتُمْ إِلَى الأَنْفَالِ، وَهِيَ مِنَ «الْمَثَانِي» (١)،
_________
(١) ورد في هذا الأثر ذكر أقسام لسور القرآن، وقد وردت قسمة رباعية في الأحاديث، وعليها عمل الصحابة، وهي: السبع الطوال، فالمئين، فالمثاني، فالمفصل. وقد ذُكر في هذا الأثر ثلاثة منها.
ومما يلاحظ أن مصطلح المثاني يُطلق ثلاثة إطلاقات، ولكل إطلاق اعتبار خاص؛ لذا لا يوجد بينها تناقض:
الأول: أن المثاني سورة الفاتحة؛ لأنها تثنى في كل ركعة، وقد صح الخبر في ذلك الإطلاق عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، قال: «... ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ هِيَ =