وشاهده، فما بالك بمن جاء بعدهما، وليس هو بإيمان عمرَ رضي الله عنه ولا بإيمان أبيِّ بن كعب رضي الله عنه (ت٢١هـ)، لذا فإن وقوع التلاحي في قراءة القرآن في عهد قريب من عهد النبوة أمر غير مستغرب، خصوصاً إذا علمنا أن الذي وقع بينهم هم أناس من التابعين، وقد يكون بعضهم ليس من أهل العلم إنما سمع وأخذ عن بعض الصحابة، ثم انتقل يغازي، وليس عنده من العلم الشيء الكبير، فإذا قرأ هو بقراءة، وقرأ الآخر بقراءة تخالفه، واعترض هذا على ذاك، وذاك على هذا، فعندئذ يبدأ التنازع، وتظهر المشكلة.
لما أشار حذيفة (ت٣٦هـ) على عثمان (ت٣٥هـ) أن يجمع الناس على مصحف واحد انتدب لهذا أربعة وهم:
١ - زيد بن ثابت رضي الله عنه (ت٤٥هـ) الذي كتب في عهد الرسول صلّى الله عليه وسلّم، وكان الكاتب الخاص للوحي، وهو الذي كتبه في عهد أبي بكر وكتبه في عهد عثمان.
٢ - عَبْدَ اللهِ بْنَ الزُّبَيْرِ (ت٧٣هـ).
٣ - سَعِيدَ بْنَ الْعَاصِ (ت٥٩هـ).
٤ - عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ الْحَارِثِ بْنِ هِشَام.
وهؤلاء الثلاثة من قريش كانوا يُملون عليه ويراجعون معه، وقال لهم: «إذا اختلفتم أنتم وزيد بن ثابت في شيء من القرآن فاكتبوه بلسان قريش فإنما نزل بلسانهم» (١)، فأعطاهم عثمان منهجاً عاماً في الكتابة.
ثم قال المؤلف بعدها: (وجعلوا المصحف الذي كان عند حفصة إماماً في هذا الجمع الأخير).
_________
(١) أخرجه البخاري، كتاب المناقب، ورقم الحديث (٣٥٠٦).