سورة» (١)، فهو يقرئ بما سمعه من النبي صلّى الله عليه وسلّم ولم يتنازل عن قراءةِ وإقراء ما سمعه من النبي صلّى الله عليه وسلّم حتى مات، فابن مسعود وغيره من الصحابة كانوا يُقرئون بما سمعوا، ولذا انتشر المنسوخ بسبب عدم وجود المرجعية لما هو ثابت عن الرسول صلّى الله عليه وسلّم في العرضة الأخيرة، ولما تفاقم الأمر جمع عثمان رضي الله عنه الناس على الثابت من هذه الأحرف عن النبي صلّى الله عليه وسلّم، فثبَّت لنا عثمان رضي الله عنه مصدراً ومرجعية في معرفة القرآن الذي ثبت والقرآن الذي نُسخ، ولم يعتمد في ذلك على اجتهاده، بل اعتمد على مصحف أبي بكر، وأبو بكر اعتمد على ما ثبت عن النبي صلّى الله عليه وسلّم أنه قرأ به ومات وهو من القرآن، وما عدا ذلك مما لم يجمعه الصحابة ويتفقوا عليه فإنه يدخل في باب المنسوخ.
وبفعل عثمان من تثبيت الصحيح الباقي من المقروء دون المنسوخ، توقفت القراءات الصحيحة المنسوخة التي قرأ بها النبي صلّى الله عليه وسلّم ولم يقرأ بها الصحابة بعد فعل عثمان رضي الله عنه، وتوقَّف الإقراء بها، فلا يوجد أحد يقرأ بتلك القراءات مثل (والذكر والأنثى) وغيرها.
ثم بعد ذلك العملِ الذي قام به عثمان والصحابة رضي الله عنهم فإنه إذا خرج مجاهد في سبيل الله من الكوفة، وآخر من الشام، وقرأ الكوفي بقراءة تخالف قراءة الشامي فإنهم كلهم ينسبون القراءة إلى مرجع معتبر عندهم، وهو المرجع الذي اتفق عليه الصحابة رضي الله عنهم، وهذا الاتفاق في المرجعية لم يكن موجوداً قبل نسخ المصاحف.
هل بقي شيء من مصاحف عثمان الستة؟
لا يصح وجود شيء من هذه المصاحف الستة التي أمر عثمان رضي الله عنه بكتابتها، مثل مصحف طشقند الذي ينسب إلى عثمان ليس بصحيح، لكنه كتب على نسق المصاحف العثمانية.
_________
(١) أخرجه البخاري، كتاب فضائل القرآن، ورقم الحديث (٥٠٠٠).


الصفحة التالية
Icon