قال: «إنكم تأتون أهل قرية لهم دوي بالقرآن كدوي النحل فلا تبدونهم بالأحاديث فيشغلونكم، جرَّدوا القرآن، وأقلُّوا الرواية عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وامضوا وأنا شريككم» (١).
وكذلك قول ابن مسعود هذا؛ ليس مراده جرَّدوا المصحف بل جرَّدوا القرآن مما يزاد فيه، فقد جاء عنده رجل وقرأ باستعاذة طويلة فقال: «جردوا القرآن»، أي: لا تضيفوا إلى القرآن ما ليس منه، ومن ذلك ما رواه النسائي بسنده عن أبي الأحوص قال: قال عبد الله: «جردوا القرآن ليربوا فيه صغيركم ولا ينأى عنه كبيركم، فإن الشيطان يفر من البيت يسمع تقرأ فيه سورة البقرة» (٢).
وروى ابن أبي شيبة في مصنفه عن أبي المغيرة قال: قرأ رجل عند ابن مسعود فقال: استعذ بالله العليم من الشيطان الرجيم، فقال: عبد الله: «جردوا القرآن» (٣).
وهذان الأثران عنه يدلان على أن مراده تجريد القرآن حال القراءة، وليس تجريد المصحف، لكن من جاء بعدهم من التابعين وغيرهم خرَّج على قولهم، فكل من استدل بقول عمر أو ابن مسعود نقول له: هذا تخريج على قولهم وليس هو مراد قولهم، ففي عهد عمر (ت٢٣هـ) وابن مسعود (ت٣٢هـ) لم يكن هناك نقط ولا شكل ولا غيره مما يدل على أنهم لم يريدوا ما استدل به بعض المتأخرين على كلامهم.
_________
(١) أخرجه الحاكم في مستدركه، كتاب العلم، برقم (٣٥٣).
(٢) أخرجه النسائي، كتاب عمل اليوم والليلة؛ برقم (١٠٧٣٤).
(٣) المصنف، كتاب فضائل القرآن (٣٠٨٨٤).