الرجل الذي قال: «فزت ورب الكعبة»، فقد روى البخاري عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ: بَعَثَ النَّبِيُّ صلّى الله عليه وسلّم أَقْوَاماً مِنْ بَنِي سُلَيْمٍ إِلَى بَنِي عَامِرٍ فِي سَبْعِينَ، فَلَمَّا قَدِمُوا، قَالَ لَهُمْ خَالِي: أَتَقَدَّمُكُمْ، فَإِنْ أَمَّنُونِي حَتَّى أُبَلِّغَهُمْ عَنْ رَسُولِ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم وَإِلاَّ كُنْتُمْ مِنِّي قَرِيباً. فَتَقَدَّمَ، فَأَمَّنُوهُ، فَبَيْنَمَا يُحَدِّثُهُمْ عَنِ النَّبِيِّ صلّى الله عليه وسلّم إِذْ أَوْمَئُوا إِلَى رَجُلٍ مِنْهُمْ، فَطَعَنَهُ فَأَنْفَذَهُ فَقَالَ: اللهُ أَكْبَرُ، فُزْتُ وَرَبِّ الْكَعْبَةِ. ثُمَّ مَالُوا عَلَى بَقِيَّةِ أَصْحَابِهِ فَقَتَلُوهُمْ، إِلاَّ رَجُلاً أَعْرَجَ صَعِدَ الْجَبَلَ. قَالَ هَمَّامٌ: فَأُرَاهُ آخَرَ مَعَهُ، فَأَخْبَرَ جِبْرِيلُ عليه السلام النَّبِيَّ صلّى الله عليه وسلّم أَنَّهُمْ قَدْ لَقُوا رَبَّهُمْ، فَرَضِيَ عَنْهُمْ وَأَرْضَاهُمْ، فَكُنَّا نَقْرَأُ أَنْ بَلِّغُوا قَوْمَنَا أَنْ قَدْ لَقِينَا رَبَّنَا فَرَضِي عَنَّا وَأَرْضَانَا.
ثُمَّ نُسِخَ بَعْدُ، فَدَعَا عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ صَبَاحاً، عَلَى رِعْلٍ وَذَكْوَانَ وَبَنِي لِحْيَانَ وَبَنِي عُصَيَّةَ الَّذِينَ عَصَوُا اللهَ وَرَسُولَهُ صلّى الله عليه وسلّم» (١)، فانظر كيف تحوَّل هؤلاء العرب في التفكير في فترة وجيزة جداً.
تكرار القصص:
أما ما ذكره في أسباب تكرار قصص القرآن فهو من النفائس الجيدة وهي:
الأولى: (أنه ربما ذكر في سورة من أخبار الأنبياء ما لم يذكره في سورة أخرى، ففي كل واحدة منهما فائدة زائدة على الأخرى).
مثال ذلك: ما ورد في قصة موسى عليه السلام وتتبع أخته له، فإنك تجد في كل موضع ما لا تجده في الآخر، وتخصيص موطن بالزيادة إنما يكون لحكمة، وقد وردت مختصرة في سورة طه، قال تعالى: ﴿إِذْ تَمْشِي أُخْتُكَ فَتَقُولُ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى مَنْ يَكْفُلُهُ فَرَجَعْنَاكَ إِلَى أُمِّكَ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلاَ تَحْزَنَ وَقَتَلْتَ نَفْسًا فَنَجَّيْنَاكَ مِنَ الْغَمِّ وَفَتَنَّاكَ فُتُوناً فَلَبِثْتَ سِنِينَ فِي أَهْلِ مَدْيَنَ ثُمَّ جِئْتَ عَلَى قَدَرٍ يَامُوسَى﴾ [طه: ٤٠]، وورد في سورة القصص زيادات،
_________
(١) رواه البخاري في كتاب الجهاد، باب من ينكب في سبيل الله (٩).