وإذا قلنا إن التأويل هو المتشابه الكلي الذي لا يعلم حقيقته ووقت وقوعه إلا الله، فيكون ما يدخل في هذا التأويل من هذه الجهة، وإن كان معناه معروفاً خارجاً عن حدِّ التفسير، وهذا التفصيل هو القول الحق في هذه الآية؛ لأنه هو الوارد عن السلف من الصحابة والتابعين الذين هم أعلم الأمة بتفسير القرآن.
وإنما وقع الإشكال في مصطلح التأويل لمَّا استخدم المجاز، وجُعِل مطية لبعض التأويل المنحرف في العلوم الإسلامية، فوقع بذلك تفسير التأويل في كتاب الله بالمعنى الذي ذكره المؤلف، وهو القول الثالث الذي ذهب أنه هو الصواب، فذهب إلى أن المراد به حمل الكلام على معنى غير المعنى الذي يقتضيه الظاهر.
وتخصيص التأويل بهذا المعنى دون غيره ليس بصواب؛ لأن هذا ليس معروفاً في كلام الله، ولا في كلام رسوله صلّى الله عليه وسلّم، ولا في كلام السلف، ولا في لغة العرب، وقصارى الأمر أن يكون هذا من باب الاصطلاح، والاصطلاح لا يُحَكَّم على ألفاظ القرآن وألفاظ السنة وكلام العرب؛ لأنه سيؤدي إلى خلل وخطأ جسيم في حمل معنى كلام الله وكلام رسوله على ما لم يريداه.
الإشكال في كلام المؤلف أنه جعله هو معنى التأويل لا غير، أما حمل الكلام على معنى غير المعنى الذي يقتضيه الظاهر لموجب، فهو يرجع إلى معنى التفسير، ومثال ذلك قوله تعالى: ﴿وَآتَيْنَا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً فَظَلَمُوا بِهَا﴾ [الإسراء: ٥٩] المعنى الظاهر: آتينا ثمود الناقة ذات البصر، لكن هذا الظاهر ليس المراد، وإنما المراد: آية مبصرة، وإذا قلنا إن هذا من حمل الكلام على معنى غير المعنى الذي يقتضيه الظاهر، وإذا تأملنا هذا المعنى الذي ذُكر عند المتأخرين وهو المخصِّص للتأويل نجد أنه في حقيقته تفسير؛ لأنه إذا كان هذا هو المراد من كلام الله وكلام رسوله، فإنه يكون من باب التفسير في النهاية.