الحكمِ الأوَّلِ. والمبيَّنُ مع المبهمِ، كالمُقَيَّدِ مع المُطلَقِ، فلمَّا كانَ كذلكَ استُسْهِلَ إطلاقُ لفظِ النَّسخِ في جملةِ هذه المعاني، لرجوعِها إلى شيءٍ واحدٍ» (١).
وإذا تقرَّر هذا، فإنَّه لا يصحُّ الاعتراضُ على ما يردُ عن السَّلفِ من النَّسخِ حتَّى يتبيَّنَ لك الأمرُ.
وسأضربُ لك مثالين في مصطلحِ النَّسخِ عند السَّلفِ:
* رُويَ عن ابن عباسٍ (ت: ٦٨) أنَّه حَكَمَ على قوله تعالى: ﴿وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ﴾ [الشعراء: ٢٢٤] بأنه منسوخٌ بقوله تعالى: ﴿إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ﴾ [الشعراء: ٢٢٧] (٢).
والآيةُ المنسوخةُ خبرٌ، وقد تقرَّرَ في قواعدِ النَّسخِ أنَّ الأخبارَ لا تُنسخُ (٣).
ولكن إذا حملتَ النَّسخَ على مطلقِ الرَّفعِ، وأنَّه هنا رَفَعَ بعضَ العمومِ الوارد على لفظِ الشُّعراءِ، وبهذا يكونُ الاستثناءُ الواردُ بعد هذا العمومِ قد خصَّصَ من الشُّعراءِ من آمنَ باللهِ = صحَّ لك ما وردَ من
_________
(١) الموافقات، للشَّاطبي، تحقيق: محيي الدين عبد الحميد (٣: ٧٣ - ٧٤). وقد ذكر أمثلةً لقضايا النَّسخِ على مصطلح السَّلفِ، وبيَّنَ المرادَ بها (٣: ٧٤ - ٧٩). وينظر للنصِّ على مصطلح السَّلف في النسخ: شيخ الإسلام في الفتاوى (١٤: ٦٩، ١٠١)، والاستقامة (١: ٢٣)، ودقائق التفسير (١: ٢١٤). وابن القيم في إعلام الموقعين (١: ٣٥). والدِّهلويُّ في الفوز الكبير في أصول التفسير، نقله إلى العربية: سليمان الحسيني الندوي (ص: ٥٣).
(٢) ينظر: الإيضاح لناسخ القرآن ومنسوخه، لمكي (ص: ٣٧٣)، ونواسخ القرآن، لابن الجوزي (ص: ٤١٧).
(٣) ينظر على سبيل المثال: الناسخ والمنسوخ للنحاس (٢: ١٢٠).


الصفحة التالية
Icon