السَّببُ صريحًا؛ لأنَّ فيه انقطاعًا ظاهرًا، وإن احتُملَ تفسيرًا.
الثاني: أن يَرويَ السَّببَ اثنان أو أكثر، وفي هذه الحالِ يُجعلُ أصلُ ما حكوه سببًا، وإن اختلفوا في تفاصيلِه، خصوصًا إذا تكاثرت روايتُهم، وورد عن جمع منهم من غيرِ تواطؤٍ أو روايةٍ لأحدهم عن الآخرِ.
وهذه القاعدةُ تفيدُ كثيرًا في الأسبابِ التي يرويها مَنْ دونَ الصَّحابةِ الكرامِ، وقد ذكرها شيخ الإسلام ابن تيميَّةَ (ت: ٧٢٨)، فقال: «والمراسيلُ إذا تعدَّدتْ طُرقُها، وخلتْ عن المواطأةِ قصدًا، أو الاتفاقِ بغيرِ قصدٍ، كانتْ صحيحةً. فإنَّ النقلَ إمَّا أن يكونَ صِدقًا مطابقًا للخبرِ، وإما أن يكون كذبًا تعمَّدَ صاحبه الكذب، أو أخطأ فيه، فمتى سَلِم من الكذبِ العمد والخطأ = كان صدقًا بلا ريب.
فإذا كان الحديثُ جاء على جهتينِ أو جهاتٍ، وقد عُلِمَ أنَّ المخبرين لم يتواطئوا على اختلاقه، وعُلِمَ أنَّ مثلَ ذلكَ لا تقع الموافقة فيه اتفاقًا بلا قصد، عُلمَ أنَّه صحيحٌ، مثلُ شخصٍ يحدِّثُ عن واقعةٍ جرتْ، ويذكرُ تفاصيلَ ما فيها من الأقوالِ والأفعالِ، ويأتي شخصٌ آخرُ قد عُلِمَ أنَّه لم يواطئ الأولَ، فيذكرُ مثلَ ما ذكرَه الأولُ من تفاصيلِ الأقوالِ والأفعالِ، فيعلم قطعًا أنَّ تلك الواقعةَ حقٌّ في الجملةِ.
فإنه لو كان كلٌّ منهما كَذَبَها عمدًا أو خطأً، لم يتَّفقْ في العادةِ أن يأتي كلٌّ منهما بتلك التفاصيلِ التي تمنعُ العادةُ اتفاقَ الاثنينِ عليها بلا مواطأةٍ من أحدهما لصاحبِه، فإنَّ الرَّجلَ قد يتَّفقُ أن ينظِمَ بيتًا، وينظمَ الآخرُ مثله، أو يكذب كذبة، ويكذب الآخر مثلها، أما إذا أنشأ قصيدة طويلةً ذات فنون على قافيةٍ ورويٍّ، فلم تَجْرِ العادةُ بأنَّ غيرَه يُنشِئُ مثلها