(ت: ٥٤٢): «وأمَّا تفسيرُ الآيةِ بقصَّةِ عبد اللهِ بن أبي سرْح (١)، فينبغي أنْ تُحرَّرْ.
فإنْ جُلبتْ قصَّةُ عبد اللهِ بن أبي سرْحٍ على أنها مثالٌ، كما يمكنُ أن تُجلبَ أمثلةٌ في عصرنا من ذلك، فحسنٌ.
وإن جُلبتْ على أنَّ الآيةَ نزلت في ذلك، فخطأٌ؛ لأنَّ ابن أبي سرْحٍ إنما تبيَّنَ أمرُه في يومِ مكةَ، وهذه الآيةُ نزلت عَقِيبَ بدرٍ»
(٢).
هل تجدُ مثلَ هذا التَّحريرِ في كتبِ علومِ القرآنِ؟
إنَّ تحريرَ ابن عطيَّةَ (ت: ٥٤٢) يتعلَّقُ بنوعينِ من أنواعِ علومِ القرآنِ: أسبابِ النُّزول، والمكيِّ والمدنيِّ.
أمَّا معرفةُ المكيِّ والمدنيِّ، فتُبيِّنُ خطأ كونِ هذه الآيةِ نزلتْ بشأنْ ابن أبي سرحٍ، للعلَّةِ المذكورةِ. فيستفاد من معرفة تاريخِ النُّزولِ في الترجيحِ بين الأقوالِ كما هو ظاهرٌ، إذ بها ضَعُفَ قولٌ، فترجَّحَ الآخرُ.
وأما أسبابُ النُّزولِ، فأفاد فيها: أنَّ بعضَ ما يُحكى منها إنما هو مثالٌ على تفسيرِ الآيةِ، ولا يلزمُ منه قَصْرُ الآيةِ عليه، كما لا يلزمُ أن يكونَ هو السَّببَ المباشرَ لنُزول الآيةِ.
كما أفاد أنَّه يمكنك أن تُنَزِّلَ الآيات على الواقِع الذي تعيشُه، ولو كانت بحكايةِ (نزلتْ هذه الآيةُ في كذا)؛ لأنَّ ذلك على سبيلِ التمثيلِ لما
_________
(١) عبد اللهِ بن أبي سرحٍ، أخو عثمان بن عفان من الرضاعة، كان من كُتَّابِ الوحي، ثمَّ ارتدَّ، وكان يقول: ما كان محمد يكتب إلا ما شئتُ. وكان ذلك بسبب موافقته للتَّنْزيل في ختمِ آيةٍ، فأهدر الرسول دمه يوم الفتح، فجاء به عمثانُ تائبًا، فأعرضَ عنه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، ثمَّ قبل توبته.
(٢) تفسير ابن عطية، طـ: قطر (٦: ٣٨٦ - ٣٨٧).


الصفحة التالية
Icon