[البلد: ٣]، فإن كانت نافيةً، فالمعنى: أقسم بمن يلد ومن لا يلد (١).
وإن كانت موصولةً، فالمعنى: أقسم بالوالد وولدِه.
وقوله تعالى: ﴿وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ﴾ [البقرة: ١٠٢]، وغيرها، فإن كانت نافيةً، فالمعنى: يعلِّمون النَّاس السِّحرَ، ولم يُنْزَل على الملكينِ شيءٌ من السِّحرِ. وإن كانت موصولةً، فالمعنى: يعلِّمون الناس السِّحرَ والذي أُنزلَ على الملكين ببابل.
ولو تأمَّلتَ هذه الأوجه الإعرابيَّةَ المختلفةَ التي ذكرتُها، وجدتها أثرًا من آثارِ المعنى والتَّفسيرِ؛ أي: أنَّ التَّفسيرَ والمعنى سابقانِ للنَّحوِ، إذ الإعراب فرعُ المعنى، فأنت تفهمُ المعنى، ثمَّ تُعربُ، هذا هو الأصلُ، ولكن لمَّا فَسَدَتِ الألسنُ، كتبَ العلماءُ الأصولَ التي يُضبطُ بها كلامُ العربِ، فتشكَّلَ بهذا علمُ النَّحوِ، وصارَت له مسائلُه المضبوطةُ، وصار يُتَطلَّبُ المعنى من جهته أحيانًا (٢).
_________
(١) قال السمين الحلبي في الدر المصون (١١: ٦): وقيل: «ما» نافية، فتحتاج إلى إضمار موصول به يصحُّ الكلام؛ تقديره: والذي ما ولد، إذ المراد بالوالد: من يولد له، وبالذي لم يلد: العاقر، قال معناه ابن عباس وتلميذه ابن جبير وعكرمة.
(٢) هذه المسألةُ تحتاجُ إلى تأمُّلٍ لطيفٍ، إذ قد يقولُ قائلٌ: إنَّ الإعرابَ هو الأصلُ، وإنما يُفهَمُ المعنى به، وهذا صحيحٌ في حقِّ من جاء بعد العربِ الأُوَلِ؛ لأنَّ علمَ النَّحوِ حادثٌ، والعربُ كانوا يتخاطبونَ ويفهمونَ عن بعضِهم، وليست تلكَ الأداةُ موجودةٌ كما هي الآن، بل كانت من طبيعتهم المركوزة فيهم، وإن لم يُعبِّرُوا عنها، ويؤلِّفوا فيها، ولكن لما دخل العجم في الإسلام، وكثُرَ اختلاطُهم بالعربِ، بدأتِ الألسُنُ في الفسادِ، فكان لا بدَّ للناسِ من ضبطِ كلامِ العرب، ليفهمَه من لا عِلمَ له بكلامِهم، وليستطيعَ التَّحدُّثَ بلغةِ العربِ. =