ولو رُتِّبَ هذان الكتابان على مسائلِ كُتب النَّحوِ، لصارا كتابينِ نحويَّينِ، قلَّ أن يشذَّ عنهما بابٌ من أبوابِ النَّحوِ (١)، وهذا يدلُّ على أنهما أرادا بهذا التَّوجُّه للقرآنِ إبرازَ مذهبِهما النَّحويِّ، واللهُ أعلمُ.
* لمَّا كان الأمرُ من التوسُّع في الإعراب ما ذكرتُ لك، ظهرتْ قواعدُ تضبطُ ما يُعملُ به في إعرابِ كتابِ اللهِ، ومن هذه القواعد: أن لا يعربَ القرآنُ إلاَّ بالأفصحِ الصحيح، وأن يُجتنبَ الغريبُ والشَّاذُّ من الأعاريبِ.
* في قوله تعالى: ﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ﴾ [البقرة: ٢١٧]، قال أبو جعفر النَّحَّاسُ (ت: ٣٣٨): «وقال أبو عبيدة: هو مخفوضٌ على الجوارِ (٢).
قال أبو جعفر: لا يجوزُ أن يُعربَ شيءٌ على الجوارِ في كتابِ اللهِ عزّ وجل، ولا في شيءٍ من الكلامِ، وإنَّما الجوارُ غلطٌ، وإنما وقع في شيءٍ شاذٍّ، وهو قولُهم: هذا جُحْرُ ضَبٍّ خَرِبٍ. والدليلُ على أنه قولٌ غلطٌ، قول العربِ في التثنية: هذان جُحْرَا ضَبٍّ خَرِبَانِ. وإنما هذا بمنزلة الإقواءِ، ولا يُحملُ شيءٌ من كتابِ اللهِ عزّ وجل على هذا، ولا يكونُ إلاَّ بأفصحِ اللُّغاتِ وأصحِّها...» (٣).
* وقال أبو حيَّان الأندلسي (ت: ٧٤٥): «ينبغي أن يُحملَ [أي:
_________
(١) يُنظر: فهارس معاني القرآن للفراء، إعداد: الدكتورة فايزة المؤيد (ص: ٢١١ - ٢٥٧)، والفهارس التي ألحقتها الدكتورة هدى قراعة في آخر معاني القرآن للأخفش (٢: ٧٦٥ - ٧٧٩).
(٢) يُنظرُ قوله في: مجاز القرآن (١: ٧٢).
(٣) إعراب القرآن، للنحاس، تحقيق: الدكتور زهير غازي زاهد (١: ٣٠٧).