الثاني: أن يُقالَ: إنَّه لم يخرجْ عن أسلوبِ التَّأليفِ السَّائدِ آنذاك، وهو الروايةُ عن مفسِّري السَّلفِ (١).
وتشعرُ الرِّوايةُ الواردةُ عن الجرميِّ (ت: ٢٢٥) (٢) بهذه الأوَّليَّةِ، قال: «أتيتُ أبا عبيدةَ بشيءٍ منه [يعني: مجاز القرآن]، فقلت له: عمَّنْ أخذتَ هذا يا أبا عبيدة؟ فإنَّ هذا خلافُ تفسيرِ الفقهاءِ (٣).
فقال لي: هذا تفسيرُ الأعرابِ البوَّالينَ على أعقابهم، فإنْ شِئتَ فخذْهُ، وإنْ شئتَ فَذَرْهُ»
(٤).
وهذا يعني أنَّ الأسلوب الذي انتهجه أبو عبيدة (ت: ٢١٠)، لم يكن هو الأسلوب الموافقَ لأسلوب التَّفسير في عصره، الذي كان التَّفسيرُ فيه يقوم على الرِّوايةِ عن الفقهاء؛ أي: المفسِّرين.
وتكثر الشَّواهدُ الشِّعريَّةُ في كتبِ غريبِ القرآنِ؛ ككتابِ مجازِ القرآنِ لأبي عبيدة (ت: ٢١٠)، وغريبِ القرآنِ لابن قتيبة (ت: ٢٧٦)، ومفرداتِ ألفاظِ القرآنِ للراغب الأصفهاني (ت: بعد ٤٠٠)، وغيرها.
_________
(١) لا يُعارض هذا الاحتمال بكتاب زيد بن علي؛ لأنه لو ثبتَ له، فإنه مسندٌ إليه، وهو من علماءِ أتباع التابعين، ويكونُ كتابهُ كالرواية التي تروى عن ابن زيد وابن جريج وغيرهما، فيكونُ الإسناد فيها متحقِّقًا. وكذا هو يختلفُ عن منهجِ أبي عبيدة اللُّغويِّ الذي اعتمدَ الشَّاهدَ العربيَّ في كتابِه، واللهُ أعلمُ.
(٢) صالح بن إسحاق البجلي، أبو عمر الجرمي، أخذ عن الأخفش وأبي عبيدة والأصمعي وطبقتهم، كان ذا دين وورع، وله كتبٌ في النحو ككتاب الأبنية، توفي سنة (٢٢٥). ينظر: طبقات النحويين واللغويين (ص: ٧٤ - ٧٥)، وإنباه الرواة (٢: ٨٠ - ٨٣).
(٣) يقصد المفسرين.
(٤) طبقات النحويين واللغويين (ص: ١٦٧).


الصفحة التالية
Icon