كانت تُشكِّكُ بالقرآنِ الكريمِ في نَظْمِه، أو أسلوبِه، أو أخبارِه. وقد كتب مقاتلُ بن سليمانَ (ت: ١٥٠) كتابًا في متشابه القرآنِ. وقد نقلَ منه أبو الحسين محمد بن أحمد الملطيُّ الشَّافعيُّ (ت: ٣٧٧)، فقال: «قال مقاتل: أمَّا ما شَكَّتْ فيه الزنادقةُ (١) في مثلِ هذه الآيةِ ونحوها من قولِه جلَّ ثناؤه: ﴿هَذَا يَوْمُ لاَ يَنْطِقُونَ *وَلاَ يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ﴾ [المرسلات: ٣٥، ٣٦]، ثمَّ قال في آية أخرى: ﴿ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ﴾ [الزمر: ٣١]، فهذا عند من يجهلُ التَّفسيرَ ينقضُ بعضه بعضًا، وليس بمنتقضٍ، ولكنهما في تفسير الخواصِّ في المواطنِ المختلفةِ.
أمَّا تفسيرُ ﴿هَذَا يَوْمُ لاَ يَنْطِقُونَ *وَلاَ يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ﴾ [المرسلات: ٣٥، ٣٦]، فأوَّلُ ما يجتمعُ الخلائقُ بعد البعثِ، فهم لا ينطقونَ في ذلك الموطن.
﴿وَلاَ يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ﴾، قال: مقدار ستين سنة، ثمَّ يؤذنُ لهم في الكلام، فيكلِّمُ بعضُهم بعضًا. ﴿ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ﴾ [الزمر: ٣١] عند الحسابِ، ثُمَّ يُقالُ لهم: ﴿قَالَ لاَ تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ﴾ [ق: ٢٨]، بعد الحسابِ» (٢).
ويظهرُ من نقلِ الملطيِّ (ت: ٣٧٧) عن كتابِ مقاتلٍ (ت: ١٥٠) أنَّ هؤلاء الزَّنادقةَ الذين ذكر اعتراضَهم، كانوا يقعون في ما يُوهِمُ
_________
(١) لاحظ ورود مصطلح الزَّندقة في عصر أتباع التابعين، وهو من المصطلحات التي تحتاجُ إلى دراسةٍ، وهل بينه وبين المصطلح الشرعيِّ «النفاق» فرقٌ؟
(٢) التنبيه والرد على أهل الأهواء والبدع للملطي، تحقيق: يمان المياديني (ص: ٧٠)، وهذا في بابٍ أفرده في ذكر متشابه القرآنِ، نقله عن مقاتل.