قوله تعالى في يوسف عليه السلام: ﴿وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ﴾ [يوسف: ٢٢]، وقال في موسى عليه السلام: ﴿وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَى آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ﴾ [القصص: ١٤]، فما وجهُ زيادةِ «استوى» في قصَّةِ موسى عليه السلام؟
قال الخطيبُ الإسكافيُّ (ت: ٤٢٠): «والذي يفرق بين المكانين حتى لم ينتظر بيوسف عليه السلام الاستواء بعد بلوغ الأشدِّ (١) هو أنَّ يوسفَ عليه السلام أخبرَ الله ـ تعالى ـ عنه أنَّه أوحى إليه لما طرحَه إخوتُه في الجُبِّ، حيثُ قال: ﴿وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ لَتُنَبِّئَنَّهُمْ بِأَمْرِهِمْ هَذَا وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ﴾ [يوسف: ١٥]، وأراه ـ عزَّ ذِكْرُه ـ الرُّؤيا التي قصَّها على أبيه.
وموسى عليه السلام لم يُفعلْ به شيءٌ من ذلك إلى أن بلغ الأشدَّ واستوى؛ لأنه لم يعلمْ ما أريدَ به إلا بعدَ أن استأجره شعيبٌ عليه السلام (٢)، ومضتْ سنو إجارتِه، وسارَ بأهلِه، فهو أتاه ما أتاه من كرامة الله تعالى.
وقيلَ: إنَّه بعد الأربعينَ، فلم ينتظر بيوسف في إيتاءِ الحكمِ والعلمِ والتَّشريفِ بالوحي ما انتظر به موسى...» (٣).
_________
(١) هذا الكلام يتعلَّقُ بالمراد ببلوغ الأشدِّ، وهل هو سنُّ الأربعينَ، أو لا؟ وما الفرق بينه وبين الاستواء؟ وليس هذا مجالَ تفصيلِه.
(٢) هذا قولٌ لبعض العلماء، والصحيحُ أنَّ الرجلَ الذي استأجرَ موسى عليه السلام ليس شُعيبًا النَّبيَّ. ينظر في ذلك: «رسالة في قصة شعيب عليه السلام»، لشيخ الإسلام ابن تيمية، ضمن جامع الرسائل، تحقيق: الدكتور محمد رشاد سالم (١: ٦٠ - ٦٦).
(٣) درة التَّنْزيل وغرة التأويل في بيان المتشابهات في كتاب الله العزيز، للخطيب الإسكافي (ص: ٢٤٠)، وقد تبعه على هذا التوجيه ـ ولم يزدْ عليه ـ مَنْ كَتَب بعده في المتشابه. ينظر: البرهان في متشابه القرآن، للكرماني، تحقيق: أحمد عز الدين عبد الله خلف (ص: ٢٢٧)، وكشف المعاني في المتشابه من =