المبحث الثالث
فوائد معرفة المكي والمدني
إن علماً اعتنى به الصحابي العالم بالقرآن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه (ت٣٢هـ) لجدير بأن يكون من العلوم المهمة، وهو كذلك عند العلماء، وهذه الفوائد التي ذكروها مبنية على الزمان؛ إذ المكي متقدم على المدني قطعاً، وقد أشار الشاطبي (ت٧٩٠هـ) إلى منْزلة المتأخر من المتقدم في النُّزول، فقال: «المدني من السور ينبغي أن يكون مُنَزلاً في الفهم على المكي، وكذلك المكي بعضه مع بعض، والمدني بعضه مع بعض؛ على حسب ترتيبه في التنْزيل، وإلا لم يصحَّ، والدليل على ذلك أن معنى الخطاب المدني في الغالب مبني على المكي، كما أن المتأخر من كل واحد منهما مبني على متقدمه؛ دلَّ على ذلك الاستقراء، وذلك إنما يكون بيان مجمل، أو تخصيص عموم، أو تقييد مطلق، أو تفصيل ما لم يفصل، أو تكميل ما لم يظهر تكميله» (١).
ومما يذكر في فوائد معرفة المكي والمدني ما يأتي:
أولاً: معرفة الناسخ والمنسوخ (٢):
اعتنى بعض العلماء الذين كتبوا في الناسخ والمنسوخ بالمكي والمدني؛ لأن القول بالنسخ مبني على معرفة المتقدم من المتأخر، والمدني ينسخ المكي لا العكس، وقد ذكر الحارث المحاسبي (ت٢٤٣هـ) هذه
_________
(١) الموافقات، للشاطبي (٣: ٤٠٦).
(٢) يمكن استقراء تطبيقات المكي والمدني وأثرها في معرفة الناسخ والمنسوخ من خلال كتب الناسخ والمنسوخ.


الصفحة التالية
Icon