وأمَّا (العلم) في الاصطلاح، فهو يُطلق على (المسائل المضبوطة ضبطاً خاصّاً)، وسيدرك الطالب تمايز كل علم بالنظر في موضوعاته ومسائله، فإذا قلت له: مقدار الغنة حركتان، فإنه يعرف أن هذا من علم التجويد، وإذا قلت له: قرأ نافع كذا، علِم أن هذا من علم القراءات، وإذا قلت له: الشمس تضيء بنفسها، والقمر يعكس ضوءها، علِم أن هذا من علم الفلك، وهكذا غيرها من المعلومات التي ضُبطت في مسائل العلوم، وتميَّزت بها (١).
ثانياً: معنى (القرآن):
القرآن في اللغة مأخوذ من مادة قرأ، بمعنى تلا، وهذا ظاهرٌ من
_________
= العلم إلى تصورات وتصديقات، والذي يحسن التنبه له أن مدلول العلوم الإسلامية ليس بحاجة إلى هذه التقسيمات، بل إن بعض العلوم الإسلامية قد تخرج عن مسمى العلم إذا أخذت بهذه التقسيمات، وإن شئت فانظر ما قاله الطاهر بن عاشور في مقدمات تفسيره، حيث أخرج علم التفسير من أن يسمى علماً بسبب اعتماده هذه المصطلحات. قال الطاهر بن عاشور:
«هذا وفي عَدِّ التفسير علما تسامح؛ إذ العلم إذا أطلق، إما أن يراد به نفس الإدراك، نحو قول أهل المنطق، العلم إما تصور وإما تصديق، وإما أن يراد به الملكة المسماة بالعقل، وإما أن يراد به التصديق الجازم وهو مقابل الجهل، وهذا غير مراد في عد العلوم، وإما أن يراد بالعلم المسائل المعلومات وهي مطلوبات خبرية يبرهن عليها في ذلك العلم وهي قضايا كلية، ومباحث هذا العلم ليست بقضايا يبرهن عليها فما هي بكلية، بل هي تصورات جزئية غالباً؛ لأنه تفسير ألفاظ أو استنباط معان. فأما تفسير الألفاظ فهو من قبيل التعريف اللفظي، وأما الاستنباط فمن دلالة الالتزام وليس ذلك من القضية...». التحرير والتنوير (١: ١٢).
(١) في هذا الموضوع قضايا في مبادئ البحث عن العلوم، وليس فيها ثمرة علمية مفيدة إلا في قضايا مخصوصة جدّاً، فالعلوم قد ضُبِطت مسائلها، وعُرفت موضوعاتها فكُفينا بذلك العناء في البحث من هذه الجهة، لكن قد ترد بعض الموضوعات والمسائل التي تتنازعها العلوم، وهذه مسائل محددة معروفة، ولكل مسألة أو موضوع شأنه الخاص به، ولا حاجة إلى التعمُّق في مثل هذا أيضاً، فقد تجد من يقول: العموم والخصوص من مسائل أصول الفقه، ويقول آخر: هي من مسائل علوم القرآن، وهذا الاختلاف ليس فيه أثر كبير من جهة النسبة، وإنما أثره في طريقة تناول الموضوع المشترك بين هذين العلمين؛ إذ لا بد أن يختلف في طريقة طرحه، وهذا أهمُّ من البحث في هل هو من هذا العلم أو من هذا العلم؟