رسم المصحف
مضت الإشارة إلى الرسم في الحديث عن (جمع القرآن) (١)، ويحسن هنا تقرير المسألة في نقاط:
١ - أن الصحابة لم يخترعوا رسماً معيَّناً قصدوا به كتابة القرآن الكريم، بل كتبوه على حسب ما تعلموه من معلميهم، ولا يصحُّ ما قيل: إنه بتوقيف من النبي صلّى الله عليه وسلّم، فهذا المذهب من الضعف بمكانٍ، إذ النبي صلّى الله عليه وسلّم كان أميّاً لا يقرأ ولا يكتب، وتلك صفة فيه مستمرَّة، لم يصحَّ خبرٌ أنه تحوَّل عنها (٢).
ومن هنا تعلم أن محاكمة خطِّ الصحابة وهجائهم إلى ما وقع بعد ذلك من تطوِّر للرسم، واختلافٍ في الإملاء غير سديد، بل الصواب أن يعلم أنَّ هذا اصطلاحهم، كما أن اصطلاح من بعدهم قد تغير عن اصطلاحهم، وكذا فإن اصطلاح من نقدهم قد تغير الاصطلاح بعده، فما كان في عصره هو الرسم المتعارف عليه المقبول بين الكاتبين، صار عند من بعدهم غير مقبول، وهكذا دواليك.
وقد ذهب قوم إلى أن الرسم معجز (٣)، وله سرٌّ لا يعلمه إلا الله،
_________
(١) ينظر: (ص١٦٥ - ١٦٦).
(٢) ينظر في موقف العلماء: من ظواهر الرسم، وحكمهم عليها من حيث التوقيف وعدمه ما كتبه الدكتور غانم قدوري الحمد في كتابه «النفيس»: رسم المصحف دراسة لغوية تاريخية (ص١٩٧ - ٢٣٣)؛ ومقدمة الدكتور أحمد شرشال في تحقيقه لكتاب: «مختصر التبيين لهجاء التنْزيل» (١: ٢٠٠ - ٢٣٠)، وغيرها.
(٣) بنى هؤلاء قولهم على أن رسم المصحف توقيفي، ولم يظهر هذا القول في جيل السلف، بل ظهر متأخِّراً، وهو قول فيه نظر.


الصفحة التالية
Icon