• موقف بعض المعاصرين لأبي الأسود من نقطه:
كره بعض معاصري أبي الأسود نقط المصحف؛ وممن ذُكِر عنه ذلك الصحابي عبد الله بن عمر رضي الله عنهما (ت٧٣هـ) (١) ومن التابعين إبراهيم النخعي (ت٩٦هـ) وغيره، وكراهية ابن عمر (ت٧٣هـ) لا تدل على وجود النقط قبل أبي الأسود (ت٦٧، أو ٦٩هـ) كما توهم ذلك بعضهم وجعل هذا النقط معروفاً زمن الصحابة؛ لأن تاريخ وفاة أبي الأسود متقدمة على وفاة من نُقِل عنه كراهة النقط مما يشير إلى ظهوره في عصرهم على يد أبي الأسود، فوقعت الكراهة منهم على عمله، والله أعلم (٢).
لكن هذه الكراهة قد زالت لمَّا تحققت مصلحة هذا العمل، وصار الأمر إلى قبول هذا النوع من النقط في طبقتهم والطبقة التي جاءت بعدهم.
ثانياً: نقط الإعجام:
المراد به تمييز الحروف المتشابهة في الرسم؛ كالراء والزاي (ر، ز) بحيث استُخدمت النُقط على الحروف أو تحتها لتمييز متشابهها في الرسم، ويبدو أن هذا النوع من النقط جاء متأخِّراً، فمصاحف الصحابة لم يكن فيها هذا النوع، ولا يبعد أن يكون وُجِد شيء منه في آواخر عصرهم، لكنَّ تميُّزه واستواءه كان متأخِّراً عن جيلهم؛ حيث ظهر تمام ضبطه في تلاميذ أبي الأسود.
_________
(١) ينظر: نقط المصاحف، للداني (ص١١ - ١٢).
(٢) يقول الدكتور غانم قدوري الحمد: «وتشير المصادر إلى أن أبا الأسود توفي سنة تسع وستين من الهجرة، وله خمس وثمانون سنة في الطاعون الجارف الذي أصاب البصرة، وقيل: إنه توفي سنة ٦٧هـ. فلا بدَّ ـ إذن ـ أن يكون نقط المصاحف قد عرفه الناس قبل هذا التاريخ، وإذا صح ما تذكره الروايات من ارتباط ذلك بولاية زياد على البصرة، فإنه يدل أن ذلك حدث بين سنتي (٤٤ - ٥٣هـ)، وهي سنوات ولايته على البصرة، وحتى لو كان ذلك قد تمَّ في ولاية ابنه عبيد الله، فإنه لن يتجاوز سنة ٦٥ من الهجرة؛ أي: قبل وفاة الدؤلي». رسم المصحف دراسة لغوية تاريخية، للدكتور غانم قدوري الحمد (ص٤٩٨).